للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أن وجود أمثال هؤلاء العلماء الربانيين في الأمة، يحيى الله بهم معالم الدين ويرجع الناس إليهم عند المعضلات، وما يلم بهم من النوازل، يحفظون الأمة من الوقوف في فتنة التشكيك في الدين وقدرته على استيعاب كل جديد، فتظل بذلك صلة المسلمين بدينهم قوية، وثقتم به متينة، وأمثال هؤلاء العلماء هم الذين ينطبق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روي عنه أنه قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين (١) .

حاجة الإنسان إلى التشريع الإلهي:

إن حاجة الإنسان إلى التشريع الإلهي أشد من حاجته إلى الطعام والشراب، ذلك أن الإنسان لا يستطيع الانفكاك عن المجتمع الإنساني، والاستغناء بنفسه عن أبناء جنسه، فهو كما يقال: "مدني بالطبع ". وأحوال الناس في طلب المعاش، كما قال الشاعر:

الناس للناس من بدو وحاضرة

بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

فجلب المنافع، ودفع المفاسد والمضار، لا تتم إلا بتضافر جهود أبناء البشر، وهذا يؤدي – حتما – إلى تبادل المنافع والمصالح بين أفراد المجتمع، وتصبح بذلك المصالح متشابكة.

ولما كان الإنسان مجبولاً على حب الذات، والرغبة في التفوق على غيره في مصالح الدنيا، كجمع المال وحب الرئاسة، والشهرة والسيطرة، والأثرة والغلبة، ويطغى بسبب ذلك التنافس والتسابق على مصالح الدنيا، إلى جانب الدوافع الأخرى: كالشح والحسد وغيرهما، وفي هذه الحال لابد أن تنشأ بين الناس خصومات وخلافات وعداوات: قد تأتي على مصالحهم، وتقوض مجتمعهم، وتهدد كيانهم، وتسلبهم الأمن والاستقرار، والقوانين الوضعية البشرية عاجزة – كعجز واضعيها – عن حل المشكلات، كما أن الناس لا يتفقون على التسليم لها، والخضوع لأحكامها إلا بسلطان القهر.

وهنا تظهر حاجة الإنسان إلى التشريع الإلهي المتميز بخصائصه من الكمال، والشمول والخلود ... وغيرها، والمبرأ من النقص والعيب، فهو الذي: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤٢] ... ذلك هو الكتاب العزيز مصدر التشريع، ومصدر سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، إذا تهيأ له السلطان القوي العادل.

المصالح التي عليها مدار الشرائع:

والمصالح التي عليها مدار الشرائع ثلاثة:

الأولى: المعروفة عند أهل الأصول بالضروريات.

الثانية: المعروفة عند أهل الأصول بالحاجيات.

الثالثة: الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، المعروف عند أهل الأصول بالتحسينيات والتتميمات (٢) .


(١) الحديث من رواية عبد الرحمن العبدي، لسان الميزان: ١ / ٧٧، قال عنه ابن حجر: تابع مقبل، ما علمته واهيًا، أرسل حديث: يحمل هذا العلم. . ثم روى ابن حجر عن أحمد أنه قال عن الحديث: صحيح؛ وانظر المشكاة، ص ٢٤٨، وزاد المسير: ٥ / ٣٠٥ وتفسير القرطبي: ١ / ٣٦ و ٧ / ٣١١؛ والبداية والنهاية: ١٠ / ٣٣٧؛ والتمهيد لابن عبد البر: ١ / ٥٩
(٢) أضواء البيان: ٣ / ٤٤٨ ... بشيء من الاختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>