للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كانت هذه الأمور الثلاثة تقوم عليها حياة الإنسان، فإن الإسلام أحاطها بما يوجدها ويحفظها، وبالأخص الضروريات، فقد أحاط الإسلام ضروريات الحياة بما يدرأ عنها كل مفسدة، وذلك بما شرع من العقوبات العاجلة، ورتب على انتهاكها من الوعيد الشديد، وبذلك كفل الإسلام حماية:

١- الدين ... ٢- النفس ... ٣- العقل. .

٤- النسب. . ٥- العرض ... ٦- المال. .

ومنهم من يعدها خمسًا، ويجعل العرض مدرجا في غيرها.

وهي التي بها قوام حياة البشرية، وقد فشلت كل الأنظمة البشرية في إيجاد وحماية هذه الضروريات على النحو اللائق بالإنسان حتى في ظل الحضارات المادية الغربية المتفوقة في الإبداع المادي، ومجتمعاتهم التي تعج اليوم بألوان كثيرة من الفساد، والقلق، والاضطراب، والحيرة، والتيه، والتفكك المدمر في أوساط الأسرة والمجتمع أكبر دليل على ذلك.

"وأما جلب المصالح والمنافع التي يحتاج إليها الإنسان، فقد جعل الإسلام أبوابها مفتوحة لجلب كل مصلحة حقيقة، حتى استدل بعضهم بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] .

وقوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [لقمان: ٢٠] ، وأمثالهما على أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما دل الدليل على خلافه " (١) .

ومن الآيات التي تدل على سعة الإسلام في هذا المجال، وحثه على السعي لتحصيل ما ينفعه قول الله تعالى:

{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] .

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨] .

{وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: ٢٠] .

{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] .

قال الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر (٢) : "... قاعدة: الأصل في الأشياء الإباحة، حتى يدل الدليل على التحريم، هذا مذهبنا ".

وعند أبي حنيفة: "الأصل فيها التحريم، حتى يدل الدليل على الإباحة ".

ويظهر أثر الخلاف في المسكوت عنه، ويعضد الأول قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما أحل الله فهو حلال، وما حرم فهو حرام ... وما سكت عنه فهو عفو؛ فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً)) . أخرجه البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء بسند حسن.

وروى الطبراني أيضًا من حديث أبي ثعلبة: ((إن الله فرض فرائص فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوا، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها ...)) .

وفي لفظ: ((وسكت عن كثير من غير نسيان، فلا تتكلفوها رحمة لكم فاقبلوها)) .

وروى الترمذي وابن ماجة، من حديث سلمان رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الجبن والسمن والفراء فقال: ((الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفى عنه)) . وللحديث طرق أخرى. وبناء على أن الأصل في الأشياء الإباحة – كما يدل الدليل على ذلك بما ذكرنا من قرآن وسنة – قال المحققون: "إن الأصل في العقود والشروط الصحة حتى يقوم الدليل على البطلان والتحريم "، وفي هذا المعنى يقول ابن القيم في بيان الخطأ الرابع من أخطاء نفاة القياس: "اعتقادهم أن عقود المسلمين وشروطهم ومعاملاتهم كلها على البطلان حتى يقوم دليل على الصحة، فإذا لم يقم دليل على صحة شرط أو عقد أو معاملة استصحبوا بطلانه، فأسدوا بذلك كثيراً من معاملات الناس وعقودهم وشروطهم بلا برهان من الله بناء على هذا الأصل ".


(١) انظر تيسير الكريم الرحمن، للشيخ عبد الرحمن السعدي: ١ / ٦٩.
(٢) الأشباه والنظائر، ص ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>