للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن بقاء معجزة الإسلام، وحفظها من التحريف والتبديل، واشتمالها على تلك التعاليم التي صلح عليها أمر الدنيا والآخرة، لدليل واضح على أن دعوة الإسلام دعوة عالمية، وأنها خاتمة الرسالات الإلهية، ومهيمنة عليها , ولا ينكر هذا أو يماري فيه إلى من ألغى عقله، أو سيطر التعصب عليه، وبغى علوًّا في الأرض وفسادًا.

وما دام الإسلام دعوة عالمية ورسالة الله الخاتمة إلى الناس جميعًا فإنه في أحكامه لا يعرف حدودًا مكانية أو زمانية، ولكن لأن هذا الدين القويم لا يعرف الإكراه في الإيمان به اقتضت الظروف أن يكون الإسلام إقليميًّا من حيث التطبيق، وإن كان في الأساس عالميًّا لا يخص قومًا دون قوم، ولا عصرًا دون عصر، فالعالم كله مخاطب به، وهكذا يصبح الإسلام رسالة عالمية إذا نظرنا إليه من الوجهة العلمية، وإقليميًّا إذا نظرنا إليه من الوجهة العملية (١) .

على أن إقليمية الإسلام من الوجهة العملية لا تأثير لها عليه من الوجهة العلمية؛ لأن لهذا الدين مبادئه العادلة التي تحكم علاقته بغير المؤمنين به سواء أكانوا مقيمين في دياره أم كانوا مقيمين في ديار خاصة بهم، وهذه المبادئ التي أصبحت تعرف في العصر الحديث بالقانون الدولي، تؤكد عالمية الإسلام، وأنه أقوم منهاج لحياة الإنسان في كل مكان، وأن الفكر البشري مهما يبدع من آراء ونظريات فإنه لن يبلغ مبادئ الإسلام وتعاليمه: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} (٢) .

وعن تلك المبادئ التي تحكم علاقة المسلمين بغيرهم تعرض هذه الدراسة في إيجاز مع الاهتمام بالأصول الكلية والقواعد العامة دون تشقيق القول في الفروع والجزئيات.

ويقوم منهج هذه الدراسة على ما يلي:

أولًا: أصول القانون الدولي في التشريعات الوضعية.

ثانيًا: أصول القانون الدولي في الإسلام.

ثالثًا: الموازنة بين الإسلام وتلك التشريعات حول هذه الأصول.

وأخيرًا خاتمة تحتوي على أهم نتائج الدراسة وبعض ما ترشد إليه من توصيات.


(١) انظر التشرع الجنائي الإسلامي مقارنًا بالتشريع الوضعي، للأستاذ عبد القادر عودة: ١/ ٢٧٥، طبعة دار التراث القاهرة
(٢) سورة البقرة: الآية ١٣٨

<<  <  ج: ص:  >  >>