للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عابدين تحته: (قوله: (لا يأخذ من المرابحة) صورته: اشترى شيئًا بعشرة نقدًا، وباعه بآخر بعشرين إلى أجل هو عشرة أشهر، وإذا قضاه بعد تمام خمسة (أشهر) أو مات بعدها يأخذ خمسة، ويترك خمسة) (١) .

وقد ذكرت هذه المسألة بعينها في تنقيح الفتاوى الحامدية، وفيها من الزيادة ما يلي: (سئل فيما إذا كان لزيد بذمة عمرو مبلغ دين معلوم، فرابحه عليه إلى سنة، ثم بعد ذلك بعشرين يومًا مات عمرو المديون، فحل الدين، ودفعه الورثة لزيد، فهل يؤخذ من المرابحة شيء أو لا؟

الجواب: جواب المتأخرين أنه لا يؤخذ من المرابحة التي جرت مبايعة عليها إلا بقدر ما مضى من الأيام. قيل: (للعلامة نجم الدين: أتفتي به؟ قال: نعم. كذا في الأنقروي والتنوير. وأفتى به علامة الروم مولانا أبو السعود) (٢) .

وإن هذه الفتوى من متأخري الحنفية تفرق بين بيوع المساومة وبيوع المرابحة التي يصرح فيها البائع بزيادة الثمن بسبب الأجل، فلا يجوز " ضع وتعجل " في بيوع المساومة كما أسلفنا، ويجوز في بيوع المرابحة. ولعلهم أفتوا بذلك على أساس أن الأجل وإن لم يكن صالحًا للاعتياض عنه على سبيل الاستقلال، ولكن يجوز أن يقع بإزائه شيء من الثمن ضمنًا وتبعًا، كما أنه لا يجوز بيع الحمل في بطن البقرة، ولكن يجوز أن يزاد من أجله في قيمة البقرة، فما لا يجوز بيعه مستقلًّا قد يجوز الاعتياض عنه تبعًا. ولما كان أساس المرابحة على بيان قدر من الربح، جاز أن يكون شيء من الربح بإزاء الأجل. فصار الأجل كأنه وصف في المبيع، فلما انتقص ذلك الوصف بأداء الدين قبل الحلول، أو بسبب حلوله بموت المدين، انتقص الثمن بقدره وإلى هذا المعنى أشار ابن عابدين في تعليل هذه المسألة، فقال: (ووجه بأن الربح في مقابلة الأجل، لأن الأجل وإن لم يكن مالًا، ولا يقابله شيء من الثمن، ولكن اعتبروه مالًا في المرابحة إذا ذكر الأجل بمقابلة زيادة الثمن، فلو أخذ كل الثمن قبل الحلول، كان أخذه بلا عوض) (٣) .

وهذا التوجيه، وإن كان فيه شيء من الوزن، ولكنه مخالف للدلائل التي أسلفناها في منع " ضع وتعجل " فإنها وردت في كل دين مؤجل، دون فرق بين المساومة والمرابحة، وإن العمل بهذه الفتوى قد يجعل المرابحة والبيع بالتقسيط أكثر مشابهة بالمعاملات الربوية، التي يتردد فيها القدر الواجب في الذمة ما بين القليل والكثير مرتبطًا بالآجال المختلفة للأداء. فلا أرى من المناسب العمل بهذه الفتوى في البيع بالتقسيط، ولا في المرابحات التي تجريها المصارف الإسلامية. والله سبحانه وتعالى أعلم.


(١) رد المحتار، لابن عابدين: ٦/٧٥٧، آخر الحظر والإباحة، قبيل كتاب الفرائض. وقد ذكرت هذه المسألة في البيوع قبيل فصل في القرض أيضًا، وذكر فيه أنه قد أفتى به الحانوتي ونجم الدين وأبو السعود وغيرهم: ٤/١٦٠، والمسألة مذكورة في حاشية الطحاوي على الدر: ٣/١٠٤ و ٤/٣٦٣ أيضًا.
(٢) تنقيح الفتاوى الحامدية: ١/٢٩٣، والمسألة مذكورة في شرح المجلة للأتاسي: ٢/٤٥٥ أيضًا.
(٣) رد المحتار: ٦/٧٥٧، قبيل كتاب الفرائض.

<<  <  ج: ص:  >  >>