لا نجد عن الشافعية بابًا خاصًّا بالاستصناع، غير أنهم يذكرونه في السلم: ففي كتاب الأم للإمام الشافعي (٣/٧٨) نجد "باب السلف والمراد به السلم". ويتصل بهذا الباب عدة أبواب، منها:"باب السلف في الشيء المصلح لغيره"، ومما قاله تحت هذا الباب الأخير (٣/١١٦) :
" قال: ولا بأس أن يسلفه في طست أو تور من نحاس أحمر أو أبيض أو شية أو رصاص أو حديد، ويشترطه بسعة معروفة، ومضروبًا أو مفرغًا، وبصنعة معروفة، ويصفه بالثخانة أو الرقة. ويضرب له أجلًا كهو في الثياب، وإذا جاء به على ما يقع عليه اسم الصفة والشرط لزمه ولم يكن له رده. (قال) :
وكذلك كل إناء من جنس واحد، ضبطت صفته، فهو كالطست والقمقم. قال: ولو كان يضبط أن يكون مع شرط السعة وزن كان أصح، وإن لم يشترط وزنًا صح إذا اشترط سعة كما يصح أن يبتاع ثوبًا بصنعة وشي وغيره بصفة وسعة، ولا يجوز فيه إلا أن يدفع ثمنه. وهذا شراء صفة مضمونة، فلا يجوز فيها إلا أن يدفع ثمنها، وتكون على ما وصفت.
(قال) : ولو شرط أن يعمل له طستًا من نحاس وحديد أو نحاس ورصاص لم يجز، لأنهما لا يخلصان فيعرف قدر كل واحد منهما، وليس هذا كالصبغ في الثوب، لأن الصبغ في ثوبه زينة لا يغيره أن تضبط صفته، وهذا زيادة في نفس الشيء المصنوع.
قال: وهكذا كل ما استصنع، ولا خير في أن يسلف في قلنسوة محشوة، وذلك أنه لا يضبط وزن حشوها ولا صفته، ولا يوقف على حد بطانتها، ولا تشتري هذه إلا يدًا بيد، ولا خير في أن يسلفه في خفين ولا نعلين مخروزين، وذلك أنهما لا يوصفان بطول ولا عرض، ولا تضبط جلودهما، ولا ما يدخل فيهما، وإنما يجوز في هذا أن يبتاع النعلين والشراكين، ويستأجر على الحذو وعلى خراز الخفين".