وقال أبو يوسف: العقد لازم إذا رأى المستصنع الشيء المصنوع ولا خيار له، إذا جاء موافقا للصفة أو الطلب والشروط، لأنه مبيع بمنزلة المسلم فيه، فليس له خيار الرؤية، لدفع الضرر عن الصانع في إفساد المواد المصنوعة التي صنعها وفقًا لطلب المستصنع، وربما لا يرغب غيره في شرائه على تلك الصفة ونوقش هذا الرأي بأن ضرر المستصنع بإبطال الخيار له أكثر من ضرر الصانع، إذ لا يتعذر على الصانع بيع المصنوع على أية حال، لأنه إذا لم يرض به المستصنع، يبيعه من غيره بمثل قيمته، وذلك ميسر عليه لكثرة ممارسته ويجاب عنه بأن احتمال البيع الجديد مجرد أمل، ويغلب الضرر بالصانع، فيجب القول بلزوم البيع دفعًا للضرر عنه.
لذا أخذت المجلة برأي أبي يوسف، فقررت في المادة (٣٩٢) : أن عقد الاستصناع ينعقد لازما، فليس لأحد الطرفين الرجوع، ولو قَبْلَ الصنع، إلا أنه إذا جاء المصنوع مغايرًا للأوصاف المشروطة، يتخير المستصنع بفوات الوصف (١) .
وفي تقديري: أن هذا الرأي الذي أخذت به المجلة سديد جدًّا، منعًا من وقوع المنازعات بين المتعاقدين، ودفعًا للضرر عن الصانع، إذ إن أغراض الناس تختلف باختلاف الشيء المصنوع حجمًا ونوعًا وكيفية، ولأن هذا الرأي يتفق مع مبدأ القوة الملزمة للعقود بصفة عامة في الشريعة، ويتناسب مع الظروف الحديثة التي يتفق فيها على صناعة أشياء خطيرة وغالية الثمن كالسفن والطائرات، فلا يعقل والحالة هذه أن يكون عقد الاستصناع فيها غير لازم.
٤- لا يتعلق حق المستصنع في الشيء المصنوع إلا بعرضه عليه من قِبَلِ الصانع، وعلى هذا فإن للصانع أن يبيع المصنوع من غير المستصنع قبل عرضه عليه، كما تقدم بيانه.
(١) نص المادة المذكورة هو: " إذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع، وإذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة المبينة، كان المستصنع مخيرًا.