٣- وواضح أن المقصود هنا بالمشكلات التمويلية التي نريد حلها ليس المشكلات التمويلية بمعناها الواسع وبأبعادها كلها فكثير من هذه المشكلات بمعناها الواسع لها حلول مستقرة واضحة في الفقه الإسلامي قديما وحديثا ... فهناك عقود معروفة تعمل في هذا المجال، وبشكل مباشر منذ نشأة الفقه الإسلامي مثل عقد المضاربة وهنالك عقود جديدة تم استحداثها مع نشأة البنوك ومؤسسات التمويل الإسلامية مثل عقد المرابحة للأمر بالشراء، وعقد المشاركة المتناقصة، وسندات المقارضة فالذي نريده هنا المشكلات التمويلية، التي يمكن معالجتها على أساس عقد الاستصناع، فمن المعلوم أن كثيرًا من الناس يحتاجون إلى سلع متنوعة تدخلها الصنعة الإنسانية، وهي ذات أثمان ليست متاحة للراغبين في الحصول عليها باستمرار، لأنهم لا يملكون أثمان هذه المصنوعات، والصانع يرغب في الحصول على ثمن ما يصنع كله أو جزء كبير منه ليتمكن من مواصلة عمله، وصناعة أشياء أخرى وهنالك جهات أخرى تملك المال ويمكنها أن تدفع للصانع ثمن ما يصنع عن الراغب في الشراء ثم تسترد ما دفعت مع زيادة مناسبة. وهذا الدفع يكون في البنوك التجارية العادية، على سبيل الإقراض مقابل فائدة ربوية ... والبنوك الإسلامية لا يمكنها أن تدفع ذلك على سبيل الإقراض الربوي، فهل يمكن أن يساعد عقد الاستصناع في ذلك. وكيف؟
٤- قد يقول قائل أليس في عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء حلًّا لهذه المشكلة؟ .... نعم، لقد حل عقد المرابحة للآمر بالشراء جزءًا كبيرًا من المشكلة على أساس أن تقوم البنوك الإسلامية بشراء السلعة المصنعة ومن ثم بيعها بربح للمحتاج لمثل هذه السلعة والطالب لشرائها ... ولكن ما زالت جوانب مهمة من هذه المشكلة بحاجة إلى حل .... فعقد المرابحة لا بد أن يكون قائما على أساس شراء سلع ومواد فحسب فهو لا يلبي دفع الأجور المكلف بها طالب التمويل لأنها ستكون عند ذلك قرضا ربويا. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن من شروط عقد المرابحة أن يمتلك البنك أو المؤسسة المالية السلع المشتراة ويتسلمها، وبالتالي يتحمل تبعة هلاكها ....فإذا كانت الأشياء المصنعة لا يمكن للبنك أن يتسلمها قبل تسلم طالب الشراء فهي تصنع وتركب مباشرة في حوزة المرابح، مثل تصنيع الحجر الذي تكسى به وجوه الجدران الخارجية في البنايات، وتصنيع الخشب للأبواب والحديد أو الألمنيوم للشبابيك، ومثل تصنيع المصاعد للبنايات .... ففي هذه الأشياء وأمثالها لا يعتبر التسليم إلَّا على الراكب، كما يقال في اصطلاح أهل هذه الحرف، ومن المعلوم فقها أن التسليم في كل شيء بحسبه ... ومعنى ذلك أن التسليم المعتبر في شراء هذه السلع لا يمكن أن يتم إلا بعد تركيبها، والتركيب يعني أن المرابح قد تسلمها قبل تسلم البنك، فكيف يبيعها البنك الإسلامي أو المؤسسة التمويلية الإسلامية له بعد ذلك إذا كان الأمر قد تم وفق عقد المرابحة للأمر بالشراء؟! فهذا لا يجوز كما هو واضح.