للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما البيع عن تراض)) (١) وقوله: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه)) (٢) فالتراضي هو الذي يولد العقد والتزامه دون حاجة إلى شكلية معينة إلا عقد النكاح لأن الأصل في الأبضاع التحريم وفي غيرها من الأشياء التحليل وإذ ذهبت الظاهرية وابن حزم إلى أن الأصل في العقود المنع حتى يقوم الدليل على الإباحة وجمهور الفقهاء جعلوا الأصل في العقود وما يتصل بها الإباحة ما لم يمنعها الشرع أو تخالف النصوص فلم يشترطوا لصحة العقد إلا الرضا والاختيار وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} .

أوجبت الوفاء بالعقود من غير استثناء فيها، باشره الإنسان بنفسه أو بتوكيل منه بإرادته الحرة وبذلك يكون العقد ملزمًا له بنتائجه ومقيدًا لإرادته حفظًا على مبدأ استقرار التعامل ولذا قلنا إن الأصل في العقود التحليل وإن الجري على الشروط التي يتعامل بها الناس تحقيقًا لمصالحهم وتثبيتًا لأغراضهم مما يقتضيه العقد ومما لا ينافيه جائز وإن تحريم شيء من العقود أو الشروط بغير دليل شرعي تحريم لما لم يحرمه الله. ويستخلص من ذلك أن الأصل فيها الإباحة إلا ما دل الشرع بخلافه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)) [رواه مسلم وفي رواة البخاري: من أحدث في أمرنا ما ليس منه..] فكل موضوع لا يمنع الشرع ولا تقتضي قواعد الشريعة وأصولها منعه فجائز التعاقد عليه فإذا استكمل العقد أركانه وشروطه وباشره الإنسان بإرادته الحرة كان ذلك ملزمًا له بنتائجه ومقيدًا لإرادته تحقيقًا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} .

وهذا ما تستلزمه الذمة وهي كما للقرافي معنى شرعي مقدر في المكلف قابل للإلزام واللزوم واختار ابن الشاط في تفسيرها أن يقال قبول الإنسان شرعًا للزوم الحقوق والتزامها إن قلنا بسلب الأهلية عن الصبي أو يقال دون التزامها إن أثبتنا له ذمة. والفرق بين كلام الإمامين أن القبول مسبب عن الذمة على ما للشهاب القرافي وهو عينها على ما لابن الشاط. والأقرب إثبات الذمة للصبي للزوم أرش الجنايات وقيم المتلفات له. وربما التبست الذمة بالأهلية أي أهلية المعاملات ويحسن بنا إيراد حقيقتهما والتمييز بينهما.


(١) رواه ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري
(٢) رواه الدارقطني عن أنس قال الشوكاني وفيه مجهول، نيل الأوطار: ٥/٣١٦

<<  <  ج: ص:  >  >>