للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمة مشروعية الاستصناع:

هي لسد حاجات الناس ومتطلباتهم وقد تطورت الصناعات تطورًا كبيرًا وبالصناعة يحصل للصانع الارتفاق ببيع ما يبتكر وما ينتج من صناعته وفق الشروط والمتطلبات في المواصفات والمقايسات، والمستصنع يحصل له الارتفاق بسد حاجاته وفق ما يناسبه في نفسه وماله وقد يكون الموجود في الأسواق من المصنوعات ما لا يفي بحاجته ولا يحقق رغبته والاستصناع هو الذي يحقق له مطلوبه ومرغوبه فهو حينئذ يرجع إلى نمو المال وزيادته ومنفعة المتعاقدين فيكون بيد أحدهما نقد يطالب نماءه وبيد الآخر ثمرة وعمل يبتغي فضل الله فيهما وهذا يرجع إلى الحاجيات وهو ما يفتقر إليه من حيث التوسعة ورفع التضييق المؤدي إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب وهي كالمتممة للضروريات الخمس التي دارت الشريعة على المحافظة عليها لعظمها حيث روعيت في كل ملة فإن في الترخيص في الاستصناع تتميمًا لقاعدة حفظ المال الذي هو أحد الكليات الخمس، وهذه المتممات والمكملات هي مثار التشديدات والترخيصات كمنع الربا وجواز السلم والقرض والمساقاة والاستصناع بالنسبة لمال وكوجوب الحد في شرب القليل من الخمر الذي لا يسكر بالنسبة للعقل. ولقد اعتبر الشارع المتممات وجعلها في رتبة ما أتمه بطريق التبع لها مبالغة في مراعاتها وما ذلك إلا لترد الأمة المصالح وتجافي المفاسد وهذا هو السر الذي يرنو إليه التشريع من وراء التكاليف فإن الحكمة فيه إقامة مصالح الدارين على وجه لا يختل لها به نظام ولذلك كان وضع الشريعة على هذا الوجه أبديًّا وكليًّا وعامًّا وزادت عناية الله بهذه الشريعة الغراء فعصمها من التبديل والتغيير كما أنبأ بذلك تصريحًا وتلويحًا فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .

وقال: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>