للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعبارة موجزة إن محل عقد الاستصناع هو العمل؛ والعين من الصانع، فهذا العقد بهذه الصورة ليس بيعا ولا إجارة ولا سلما ولا غير ذلك وإنما هو مستقل له شروطه الخاصة به وخصائصه وآثاره العامة.

هذا ما نراه والأدلة على ذلك موجودة، ونكتفي بهذا القدر بخصوص استقلالية الاستصناع، بعد ذلك ننتقل إلى مسألة أخرى.

فضيلة أستاذنا الجليل يقول: إن المجلة خالفت مذهب الحنفية، وأنا - حقيقة والحمد لله - اطلعت على مخطوط المحيط البرهاني وهو مخطوط يقع في ثمانية مجلدات ضخام، وعندي - والحمد لله - نسخة مصورة منه من مكتبة أوقاف في بغداد. نذكر لحضراتكم نصًّا ينطبق هذا النص من المحيط البرهاني مع ما ذكرته مجلة الأحكام العدلية - في بحثي - لأن المجلة كما لا يخفى على الجميع التزمت المذهب الحنفي، لكنها لم تلتزم الراجح أو الكتب الظاهرة وقد أخذت بروايات غير ظاهر الرواية كذلك أخذت بالمتأخرين كما في بيع الوفاء وكما في تضمين الغاصب وغير ذلك.

تصوير المحيط البرهاني، الصفحة ٢٤، المذهب الحنفي. هذا الذي ذكرناه وأنا ذكرت ما تفضل به أستاذنا الدكتور علي السالوس، قلنا: هذا الذي ذكرناه هو ما بين الكاساني في تصوير المذهب الحنفي حيث ذكر: أن الخلاف في اللزوم وعدمه إنما هو في المرحلة الثالثة عندما يكتمل المصنوع ويعرض على المستصنع. لكن المحيط البرهاني صور المسألة عند الحنفية على أن الخلاف وارد في أصل العقد نفسه من حيث اللزوم والجواز - كما ينطبق عليه كلام المجلة - أو بعبارة أخرى ذكر لنا أن بعض الحنفية يرون لزوم العقد بمجرد الانعقاد، وأنقل لحضراتكم النص يقول: (قلنا الروايات في لزوم الاستصناع وعدم اللزوم مختلفة) . ثم ذكر الروايات إلى أن قال: (ثم رجع أبو يوسف عن هذا وقال: لا خيار لواحد منهما بل يجير الصانع على العمل - ما دام العقد موجودا - ويجبر المستصنع على القبول. ووجه ما روي عن أبي يوسف أنه يجبر كل واحد منهما، أما الصانع فلأنه ضمن العمل فيجبر على العمل، وأما المستصنع فلأنه لو لم يجبر على القبول يتضرر به الصانع، لأنه أصلًا لا يشتريه غيره أو عسى لا يشتريه غيره أصلًا، أو لا يشتري بذلك القدر من الثمن فيجبر على القبول دفعا لضرر عن الصانع) ، ثم ذكر قضية المنبر، وهذا الذي ذكره أبو يوسف وفصله المحيط البرهاني هو المرافق لمقتضى العقود والقواعد العامة إلى إلتزام بقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>