بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله، وبعد.
هل العقد " عقد الاستصناع " يتناول في هذا المجمع الموقر باعتباره عقدًا نظريًّا يراد البحث عن حكم له، أو أنه عقد قائم تعم به البلوى في هذا الزمان وفي كل زمان ويبحث عن حكم شرعي يضبطه؟
الواقع أن الاستصناع عقد تعامل به الناس قديمًا وحديثًا، كل بحسب حاجته ووقته، لحاجتهم إليه وتوقف مصالحهم عليه، وكانوا ومازالوا يلزم بعضهم بعضًا بما يتم عليه الاتفاق بين المستصنع والصانع تعيينًا للعين المصنوعة جنسًا وصفة وأجلًا بما يندفع به عندهم إثارة النزاع بين الطرفين الصانع والمستصنع. فهو إذن عندهم بهذا عقد لازم لكل من الطرفين على الوجه الذي عقد عليه في مجلس العقد كما هو الحال بين الصانع والمستصنع كما نراه الآن في المصانع ومن يتعامل معها شراء للمصنوعات.
ولو جعل عقد مواعدة واختيار لكل من الطرفين عند مجيء الصانع بالمصنوع لما خاطر الصانع بصنع مواده على الوصف الذي طلبه المستصنع، ولما اطمأن المستصنع أيضا إلى تحقق رغبته في الشيء المصنوع جنسا وصفة وحجما ووزنا بما يراه يحقق له مصلحة هو في أمس الحاجة إليها الآن، فالعين المستصنعة في هذا الزمان لم تعد مجهولة ولا هي صغيرة وخفيفة ولا هي بسيطة بل هي عين موصوفة قد يكون لها مثيل في السوق وقد لا يكون، ولكنها في الحالين عين معينة الذات والصفات والأحجام والأوزان بل والألوان في هذا الزمان، والقول بعدم دخول الأجل في الاستصناع بما يزيد على شهر يفوت على الطرفين مصالح ومنافع ضرورية كل منهما في أمس الحاجة إليها. فالصناعات اليوم لم تعد خفيفة كما كانت قديما لا تحتاج إلى وقت بل تطورت وتعقدت وأصبحت الأشهر لا تعد أجلا كبيرًا في إنجاز شيء منها، وعدم اشتراط الأجل على الصانع قد يفوت على المستصنع مصالح هامة وضرورية له، ويسبب له أضرارًا مادية أو اجتماعية أو وطنية كما لو كانت الأشياء المطلوب استصناعها معدات عسكرية تحتاجها البلد للدفاع بها عن نفسها.
إذن والحال على ما ذكر فإني أرى أن لا بد من اشتراط الأجل على الصانع ولو لأكثر من شهر، ولا بد أيضا من إلزام المستصنع بأخذ ما صنع له أي ما صنعه الصانع له مطابقا للشروط التي تم الاتفاق عليها بينهما حكما وتدينا وقضاء منعا للإضرار بكل من الصانع والمستصنع رعاية لمصالح الطرفين. والله أعلم.