بناء على أن بيع الوفاء تحيل على الربا اختلفت في حكمه أنظار فقهاء الأحناف الذين عايشوا فشو هذا التحيل في أعصارهم وأمصارهم، من كل طود شامخ له في باب الترجيح قدم راسخ أنهى البزازي هذا الخلاف إلى تسعة أقوال، ذكر ابن نجيم في البحر منها ثمانية، واقتصر الزيلعي على أربعة منها في شرحه على الكنز وذكر أبو عبد الله محمد بيرم الثاني أنها لا تتجاوز الخمسة وما زاد على الخمسة راجع بقليل التدبر إليها، والأقوال الخمسة هي:
١- أن بيع الوفاء رهن، قال ابن قاضي سماوة في جامع الفصولين: البيع الذي يتعارفه أهل زماننا احتيالًا للربا، وسموه بيع الوفاء، هو رهن في الحقيقة لا يملكه ولا ينتفع به إلا بإذن مالكه، وهو ضامن لما أكل من ثمره، وأتلف من شجره، ويسقط الدين بهلاكه لو يفي ولا يضمن الزيادة، وللبائع استرداده إذا قضى دينه لا فرق عندنا بينه وبين الرهن في حكم من الأحكام، لأن المتعاقدين وإن سمياه بيع الوفاء، ولكن عرفهما الرهن والاستيثاق بالدين، إذ العاقد يقول لكل أحد بعد هذا العقد: رهنت ملكي فلانًا، والمشتري يقول: ارتهنت ملك فلان.
ثم ذكر حجة القائلين بأنه رهن وهي تقوم على أن العبرة في شريعة الإسلام بالمقاصد والمعاني، لا الأشكال والمباني، فإن الحوالة بشرط أن لا يبرأ كفالة، والكفالة بشرط البراءة حوالة، وهبة الحرة نفسها بحضرة الشهود مع تسمية المهر نكاح، والاستصناع الفاسد إذا ضرب فيه الأجل سلم ونظائره كثيرة.
ثم نقل محاورة دارت بين السيد الإمام أبي شجاع وبين الإمام أبي الحسن الماتريدي وهما فقيهان من ثلاثة فقهاء انتهت إليهم في عصرهم رئاسة الحنفية هما والقاضي علي السغدي كما جاء في الفوائد البهية، وقال السيد الإمام (أبو شجاع) : قلت للإمام أبي الحسن الماتريدي قد فشا هذا البيع بين الناس وفيه مفسدة عظيمة، وفتواك أنه رهن وأنا أيضًا على ذلك فالصواب أن نجمع الأيمة ونتفق على هذا ونظهره بين الناس؟ فقال: المعتبر اليوم (أوائل القرن الخامس) فتوانا، وقد ظهر ذلك بين الناس فمن خالفنا فليبرز نفسه، وليقم دليله.