ولن أنسى ذلك الأب لطفل أصيب بداء عضال حتى أوشك على الموت وأصبح ميؤوسًا منه، قلت له: إن ولدك يشرف على الهلاك فتبسم وقال: إنني على يقين أن الشافي هو الله وإنكم معشر الأطباء لن تستطيعوا أن تفعلوا شيئًا عندما تكون إرادة الله قد قضت وهو فعال لما يريد.
ومن هنا كانت نعمة الإيمان والتسليم لقضاء الله في المجتمع الإسلامي أمرًا يحل كثيرًا من الأمور التي يعاني منها كثير من المرضى والأطباء على سواء، في مجتمعات ثانية، إن التصرف في مثل هذه القضايا الحساسة يتطلب إلى جانب السند العلمي القاطع، الطمأنينة العاطفية والرضا الوجداني وقد كان هناك طبيب مرموق ومختص كان يرقد في مشفاه إنسان جَزَمَ هو وشلة من الأطباء بأنه قد مات موتًا دماغيًّا بالأدلة العلمية التي لا ريب فيها واتجه إلى أهله ينعاه لهم ويؤكد ذلك لهم بالأدلة العلمية المقنعة، ثم حاول أخذ موافقتهم للاستفادة من قلبه لإسعاف مريض آخر واقتنع الأهل ووافقوا، ولكن الأطباء ما أن باشروا بتهيئة الأسباب لاستخراج قلب قريبهم المتوفى دماغيًّا حتى ارتفع العويل والصراخ، وثار الأهل وهاجموا، ومن ثم حيل بين الأطباء وتنفيذ ما اتفقوا عليه. ذلك لأن هذه الدلائل العلمية للموت أقنعت عقول أقارب الميت ولكنها لم تهيمن على عواطفهم ووجدانهم. إن الناس كانوا ولا يزالون يعتدون بموت القلب دون أن يكتفوا بموت الدماغ الذي لا يدركه إلا أصحاب الاختصاص والشارع يؤيدهم في هذا الاحتياط والتأكد حتى لا تشيع أنها ميتة ظالمة بين الناس فتنبثق من ذلك الفتنة والظنون السيئة. وهذا كما هو واضح ليس تكذيبًا لقرار الأطباء كما أن القول بالموت الدماغي ليس تطورًا علميًّا لمعنى الموت بحيث تطور الأحكام الشرعية وفقًا لذلك ولكنه إيثار من الشارع لاتباع القناعات العامة إغلاقًا لباب الفتنة ودرءًا للظنون السيئة أن تشيع في الناس بعضهم البعض.
ويجب أن لا ننسى أن الأساس في كل ذلك هو مراقبة الله عز وجل في تنفيذ مثل هذه الأحكام والحرص على ممارستها وتطبيقها على الوجه الذي يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية والحكمة التي يتوخاها الشارع من شرع لعباده، فإن لم يتحقق هذا الأساس التنفيذي، فإن جهود الباحثين والمجتهدين تظل على الغالب نظرية، هذا إن لم نقل إنها قد تصبح وسائل تحت سلطان الكثيرين لتحقيق المآرب الدنيوية والوصول إلى كثير من المبتغيات غير المشروعة.