إن الفقهاء والعلماء في المملكة الأردنية الهاشمية، ليبتهجون بمقدمكم، متخذين من دورتكم هذه – التي تعقدونها بين ظهرانينا – موسما علميا مشهودا، يتطلعون فيه كما نتطلع جميعا في أسرتكم الأردنية إلى الوقوف على ما سيقدم من بحوث ودراسات عن القضايا المعروضة على المجمع في مؤتمره السنوى الثالث وإلى ما سيفضي إليه النقاش والنظر، من مواقف وفتاوى وقرارات علمية ومجمعية لها شأنها في حياة المسلم في كل زمان ومكان، وإن المسلمين كافة ينتظرون الكثير من هذا المجمع الزاهر الذي يعمل جادا لربط ماضي الأمة المجيد بحاضرها المتطور فيرسخ في نفسها الثوابت التي هي مقومات ذاتها وأساس وجودها ويواجه فيها المتغيرات بما تهدي إليه أصول النظر الشرعي ومناهج الفكر الإسلامي في مختلف مجالات الحياة المعاصرة.
وهذا القصد المزدوج السوي أيها الأخوة السادة الأفاضل الذي كان وما يزال بحمد الله شعار أمتنا، هو الذي ينطق به قول الله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} فقد وصفها سبحانه بالعدالة والعزة والخيار، وبتأكد هذه المعاني لديها وصدق هذه النعوت فيها وانطباقها عليها يتم تفضيلها الذي يؤذن به قوله عز وجل {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وهو يرفعها إلى المرتبة السامية.
ولا شك أيها السادة الأفاضل أن للآية الكريمة التي صارت لهذه الأمة شعارا، دلالة على أن الله تعالى أكمل عقول هذه الأمة بما تنشأ عليه من اتباع العقائد السليمة ومجانبة الأوهام الضالة، ومن وجوب تلقي الشريعة من طرق العدول وإثبات أحكامها بالاستدلال استنباطا يقوم به العلماء ليتلقاه العامة فهما وممارسة.
وفي هذا يكمن سر التجدد والخلود لهذه الأمة لأن علماءها والمجتهدين فيها لا تحكمهم الأهواء ولا تلوي أعناقهم الشهوات، ولكنهم – في كل ما يصدر عنهم من اجتهادات وأحكام – آخذون بالقول الفصل والهدي المبين من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومما تلقاه الصحابة رضوان الله عليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيان وحكمة، فذلك هو الأصل والمرجع الذي امتن الله به على عباده في قوله تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} .