وإذا كانت القضايا العادية معروفة أحكامها للناس، في العبادات والأحوال الشخصية والمعاملات والحدود وكل فروع الفقه ومسائله بما يشمل اليوم كل القوانين العامة والخاصة الدولية وغيرها، فإن التطور المادي الحضاري من جهة وما نجم عنه في أطراف العالم الإسلامي من تيارات فكرية جديدة، واكتشافات واختراعات وتقدم علمي وتكنولوجي وتنظيمات وتراتيب وشركات ومؤسسات وأعراف وعادات، يواجه الإسلام والمسلمين بتحدياته ويهدد بتقويض القواعد العظيمة التي قامت عليها معالم الفكر والحضارة الإسلامية، وليس أمام المجمع الذي ينتظم صفوة العلماء في هذا العصر ويستضيف كما ذكرت قبل قليل أصحاب اختصاص في مجالات مختلفة والذي أقيم باتفاق الدول الإسلامية عامة، إلا أن يجتهد ويبذل الوسع من أجل إنارة سبيل المؤمنين ورفع حواجز الغموض والضلال والجهل والضعف من طريقهم ومدهم من جديد بما صلح لآبائهم عند تشييدهم أكمل نظام وتأسيسهم أعظم حضارة، ويصلح لهم اليوم من التعاليم والحكمة التي تأخذ بأيديهم إلى طريق المجد، يستعيدون بها سيادتهم وإدارتهم ويتبوأون بها من جديد مقام الريادة {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
فعلى أساس هذا الهدي، وما تنبثق منه من أحكام وقواعد وأصول ونظريات يستطيع المجمع أن يحقق حماية المسلمين والحفاظ على توازن المجتمع الإسلامي. ودعم الوحدة الإسلامية بعناصر القوة والمنعة مع التأكيد على الأصول والتشاور المشروع والمحبب بكل موضوعية وعمق، ويتولى دراسة المشكلات التي تعترض سبيل النمو والتقدم في العالم الإسلامي دون تمييز ومواجهة التحديات التي تقهر الإنسان العربي والمسلم وإيقاظ الروح والمنظور الإسلامي في النفوس بعثا لنهضة جديدة.
وهذا الشرف التالد الذي تميزت به الأمة الإسلامية يجعل الله إياها مرجعا لغيرها، ودليلا لسواها على الخير والحق تتمسك به وتلتزمه وتبينه وتدعو إليه، هو الذي يدفع اليوم مجمع الفقه الإسلامي لاستجابة الأمر الإلهي في قوله عز وجل:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وفي قوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} .