للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة الرابعة: إذا اجتمع المباشر والمسبب، أضيف الحكم إلى المباشر:

هذه القاعدة ذكرها ابن نجيم (١) بهذا اللفظ وقد أخذت في مجلة الأحكام العدلية (مادة ٩٠) من الأشباه وشرحها ابن نجيم بقوله:

"فلا ضمان على حافر البئر تعديا بما أتلف بإلقاء غيره".

فهنا حافر البئر مسبب، والذي ألقى الشيء فيها مباشر، فيقدم المباشر على المسبب ويضاف الإتلاف إليه، فيصير ضامنا.

ولكن هذه القاعدة لها مستثنيات كثيرة، وتتلخص في نقطتين فيما يتعلق بموضوعنا:

النقطة الأولى: إذا كان تأثير المسبب أقوى من تأثير المباشر أضيف الحكم إلى المسبب، وهذه القاعدة ليست مذكورة بهذا اللفظ في كتب القواعد الفقهية، ولكنها تستخلص من عدة جزئيات ذكرها الفقهاء في مستثنيات القاعدة الرابعة. فيقول العلامة علي حيدر رحمه الله في شرحه للمجلة (٢) :

"أما إذا كان السبب مما يفضي مباشرة إلى التلف، فيترتب الحكم على المتسبب، مثال ذلك لو تماسك شخصان، فأمسك أحدهما بلباس الآخر، فسقط منه شيء، كساعة مثلا، فكسرت، فيترتب الضمان على الشخص الذي أمسك بلباس الرجل رغما من كونه متسببا، والرجل الذي سقطت منه الساعة مباشر. لأن المسبب هنا قد أفضى إلى التلف مباشرة، دون أن يتوسط بينهما فعل فاعل آخر".

والمثال الأوضح لذلك ما ذكره الفقهاء الحنفية من أن من أكره إنسانا على قتل الآخر إكراها ملجأ، فالقصاص على المكره (بكسر الراء) دون المكره (بفتح الراء) ، قال الكاساني (٣) رحمه الله:

" فأما المكرَه على القتل فإن كان الإكراه تاما، فلا قصاص عليه عند أبي حنيفة ومحمد، ولكن يعزر، ويجب على المكرِه ".

وظاهر أن المكره (بالفتح) هو المباشر للقتل، والمكرِه لا يعدو من أن يكون مسببا، ولكن الضمان هنا على المسبب دون المباشر، وذلك لأن تأثير فعل المسبب أقوى من تأثير المباشر، لكونه أصبح آلة في يد المكرِه.

وكذلك قدمنا أن من نخس دابة مركوبة فوطئت رجلا، فإن الضمان على الناخس، دون الراكب، مع أن الناخس مسبب، والراكب مباشر في الظاهر، ولكن تأثير الناخس أقوى من تأثير الراكب في القتل، ولذلك قدم المسبب على المباشر.


(١) الأشباه والنظائر لابن نجيم: ١ / ١٩٦، قاعدة (١٩)
(٢) درر الحكام لعلي حيدر: ١ / ٨١
(٣) بدائع الصنائع ٧ / ١٧٩

<<  <  ج: ص:  >  >>