وهذا الدليل ليس بصحيح؛ لأن الفقهاء لم يذكروا هذه الصورة لا نفيا للتضمين فيها ولا إثباتا لها، ومجرد سكوتهم عن ذلك لا يدل على التضمين، لأنه لا ينسب لساكت قول، وخاصة حينما ذكروا أصولا في ضمن جزئيات أخرى تدل على عدم التضمين في هذه الصورة، ولعلهم لم يذكروها من جهة أن ذلك كان نادرا في عهدهم؛ لأن ضبط الدابة أيسر من ضبط السيارة، ولأن الدابة متحركة بنفسها، فربما تتنحى في سيرها بنفسها برؤية من يعرض لها في الطريق، بخلاف السيارة، ولأن الطرق المدنية في ذلك الزمان كانت موضوعة في الأصل للمشاة، فلم تكن الدواب تسرع فيها المشي، بخلاف السيارات فإنها تسير على طرق معبدة وضعت في الأصل للمراكب السريعة.
ب- وقد يقال: إن النائم الذي ينقلب على الرجل الآخر يضمن ما أصابه من ضرر، وبالرغم من أن النائم لا تكليف عليه فإنه حكم عليه الفقهاء بالضمان إجماعا، فتبين أن المباشر يضمن، ولو صدر منه الفعل بغير اختياره، فينبغي أن يضمن السائق أيضا، ولو صدر منه الإهلاك بدون اختياره.
والجواب عن ذلك: أن المباشر لو كان هو السبب الوحيد في هلاك شخص، فإنه يضمن الهلاك، ولو صدر منه ذلك بدون اختيار (ويستثنى منه ما لا يمكن الاحتراز منه، وما عمت به البلوى، كما قدمنا عن البدائع أنه لو سقط السيف عن لابسه، فإنه لا يضمن) ولكن إذا كان هناك شخص آخر مختار يزاحمه في نسبة الإهلاك إليه، وتأثير فعله أقوى من تأثير المباشر، فإن الهلاك يضاف إلى ذلك الشخص الآخر، كما قدمنا في غير واحد من الأمثلة، ولا سيما في مسألة الناخس، وفي مسألة من وقع على غيره بعثرة حصلت له بوضع حجر في الطريق، فإنه لا يضمن، بل يضمن واضع الحجر.