هذا في العين، وأما الماشية فموضع وجوبها محل وجودها إن كان هناك ساع وإلا فمحل المالك.
ولا يجب تعميم الأصناف الثمانية في الإعطاء، بل يجوز دفعها ولو لواحد من صنف واحد، إلا العامل فلا يجوز دفعها كلها إليه إذا كانت زائدة على أجرة عمله.
هل يجوز توزيع الزكاة في مشاريع ذات ريع دون تمليك فردي للمستحق؟
يتضح لنا من خلال هذا البحث ومن خلال مختلف آراء الأئمة الأربعة بأن الزكاة لا تصرف إلا إلى الجهات الثمانية التي حددها الكتاب والسنة، وأنه متى ما تم وقت الزكاة فلا بد من أدائها فورا إلى مستحقيها لأن التأخير عن أداء الزكاة يعد مخالفة للشرع حتى إن بعض السادة المالكية أعلنوا بأن تأخير الزكاة عن موعدها كتأخير الصلاة عن وقتها، وأن ذلك يترتب عليه الإثم، لأنه لا مصلحة لتأخير الزكاة والفقراء والمساكين يعانون مآسي الجوع والفاقة، فكيف ترضى نفس مؤمنة بتأخير الزكاة أو التهاون عن أدائها وإخوانهم الفقراء والمساكين بحاجة إليها وعليه فإن توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحق لا يمكن أن يتم إلا إذا وجد مستحقو الزكاة حقوقهم وبقدر الكفاية المحددة لهم لأنه لابد أن يعطى الفقير القدر الذي يخرجه من الفقر إلى الغنى ومن الحاجة إلى الكفاية على الدوام، فقد قال: عمر رضي الله عنه: إذا أعطيتم فأغنوا يعني الصدقة.
وقال القاضي عبد الوهاب: لم يحد مالك لذلك حدا، فإنه قال: يعطى من له المسكن، والخادم، والدابة الذي لا غنى له عنه، وقد جاء في الحديث ما يدل على أن المسألة تحل للفقير حتى يأخذ ما يقوم بعيشه ويستغني به مدى الحياة.
فإذا ما وجد كل ذي حق حقه من أموال الصدقة وفاضت فيمكن بعد ذلك توجيهها إلى مثل هذا المشروع كما حدث في عهد عمر بن عبد العزيز أنه لما أبلغ بفيض أموال الصدقة بعد توزيعها إلى المستحقين أمر بتزويج العزاب من أموال الصدقة.
كما أن الإمام مالك أورد في موطأه في باب القراض الحديث التالي: "حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل، ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى ههنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكما، فتبيعان به متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما، فقالا: وددنا ذلك، ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا فأربحا فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه، فأما عبد الله سكت وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي ذلك يا أمير المؤمنين، هذا لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه، فقال عمر: أدياه، فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا، قال عمر: قد جعلته قراضا، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال.
إن ذلك يدل على جواز استعمال أموال الله في مشاريع ذات ريع.