هذا كله في الديون المستقرة، أما الديون التي لم يستقر ملك الدائن عليها لعدم قبض المدين العوض المقابل لها كالأجرة قبل استيفاء المنفعة، أو مضي زمانها، وكالمهر قبل الدخول، فهذه الديون اختلف الفقهاء في جواز تمليكها ممن هي عليه بعوض، والذي يظهر رجحانه هو جواز ذلك كما سبق في السلم.
تمليك الدين لغير المدين:
لخص الإمام الرافعي والنووي هذا الموضع تلخيصًا طيبًا نذكره ثم نذكر آراء الفقهاء فيه وهو:
الدين في الذمة ثلاثة أضرب: مثمن، وثمن، ولا مثمن ولا ثمن (١)
الضرب الأول: المثمن: وهو المسلم فيه فلا يجوز بيعه، ولا الاستبدال عنه، وهل تجوز الحوالة به أو عليه، فيه ثلاثة أوجه.
الضرب الثاني: الثمن: فإذا باع بدراهم أو دنانير في الذمة ففي الاستبدال عنها طريقان: أحدهما القطع بالجواز، قاله القاضي أبو حامد وابن قطان، وأشهرهما على قولين: أصحهما وهو الجديد جوازه، والقديم منعه.
ولو باع في الذمة بغير الدراهم والدنانير فإن قلنا: الثمن ما ألصقت به الباء صح الاستبدال عنه كالنقدين، وادعى البغوي أنه المذهب وإلا فلا؛ لأن ما ثبت في الذمة مثمنًا لم يجز الاستبدال عنه.
(١) ذكر الرافعي في الفتح: (٨ / ٤٣١) ، والنووي في المجموع: (٩ / ٢٧٣) : أن حقيقة الثمن مختلف فيها على ثلاثة أوجه: أحدها: أنه ما ألصق به الباء كقولك: بعت كذا بكذا، فالأول مثمن، والثاني: أن الثمن هو النقد فقط، والثالث: أن الثمن هو النقد، والمثمن ما يقابله، فإن لم يكن في العقد نقد، أو كان العوضان نقدين فالثمن ما دخلت عليه الباء، والمثمن ما يقابله، ورجح الرافعي والنووي الوجه الثالث.