لقرون طويلة كان التبادل بين الناس بصيغة المقايضة، ثم اخترع الناس النقود السلعية مثل الذهب والفضة وقبلها الملح والطعام.. إلخ، فلم يغير ذلك من طبيعة النظام التبادلي؛ إذ استمر معتمدًا على صيغة المقايضة وإن اكتسب قدرًا كبيرًا من الكفاءة.
إن النقلات العظيمة في النظام التبادلي إنما تحققت عندما اخترع الإنسان النقود الائتمانية وهي تلك التي تستطيع الحكومات أن تتوسع في إصدارها دون حاجة إلى أن يكون لهذا الإصدار موازيًا من سلع حقيقية كالذهب والفضة.. إلخ، وإنما يعتمد ذلك بصفة أساسية على ثقة الناس بمصدرها، ثم لما ظهرت البنوك كمؤسسات تقبل الودائع وتقدم لأصحابها بدلًا عنها وسائل دفع جاهزة هي الشيكات؛ تحول الجزء الأعظم من عمليات إصدار النقود الائتمانية التي تعتمد عليها علاقات التبادل إلى البنوك، فصار التوسع في الكمية النقدية إنما تولده المصارف أضعاف أضعاف ما تقوم به السلطات النقدية الحكومية.. ومع ذلك تبقى قدرة البنوك على التوسع محدودة بمقدار ما لديها من ودائع؛ لأن ما تولده من نقود هو مضاعفات لتلك الودائع، فكان أن جاءت النقلة الثالثة باختراع صيغ جديدة لتوليد النقود الائتمانية، ومنها الائتمان على شكل بطاقة، وضمن هذا الترتيب تمكنت البنوك من التوسع في توليد النقود بصفة غير محدودة إلا بمحدودية الطلب على هذا الائتمان والقوانين المنظمة له، ولاسيما الحد الأعلى لكل بطاقة، وصارت البطاقة الائتمانية وسيلة لجعل قرار التوسع النقدي في يد الفرد، فهو بمجرد أن يحتاج إلى نقود يستطيع أن يولد وسائل دفع جديدة بإبرازه البطاقة، ويحصل على الائتمان من مصدر تلك البطاقة، إننا لا يمكن أن نحيط بأبعاد هذا التطور إلا بالنظر إليه كجزء من مراحل التطور النقدي للمجتمعات الإنسانية، ومن ثم نضعه في مكانه المناسب من النظام الاقتصادي الإسلامي.