للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرع الثاني: إرضاع الطفل المصابة أمه:

تأكد عند الأطباء أن الفيروس موجود في لبن الأم وذلك مؤشر قوي على أن الإصابة التي تحصل للأطفال تكون من طريق الرضاعة من الأم (١)

وحيث إن الأمر كما ذكر فلنستعرض أقوال الفقهاء في حكم رضاعة الطفل من الأم المصابة بمرض معد أقل خطورة من مرض الإيدز كالبرص والجذام حيث إن البرص غير قاتل والجذام قد وجد له علاج يوقفه عند حد معين بخلاف وباء العصر –الإيدز- الذي لم يوجد له علاج ولا مصل واق، فمما جاء في هذا المجال ما ذكره العلائي في قواعده حيث قال: (ذكر المستفتي أن الولد رضيع وأن من يقبل قوله من الأطباء ذكر أن ارتضاعه لبنها يورث ذلك المرض فيه فيتعين الجواب حينئذ بسقوط حضانتها وذلك قدر زائد على الإعداء؛ لأنه من جنس أكل السموم) (٢)

وقال البهوتي: (إذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها من الحضانة كما أفتى به المجد ابن تيمية وصرح بذلك العلائي الشافعي في قواعده وقال: لأنه يخشى على الولد من لبنها.. وقال في الإنصاف: وقال غير واحد وهو واضح: في كل عيب متعد ضرره إلى غيره) (٣)

فقد ظهر من أقوال الأطباء الموثوقين أنه يخشى تعدي المرض عن طريق الرضاعة وإن كانت نسبة إصابة الأطفال ليست عالية جداً، ولذلك وجب الامتناع عن إرضاع الأطفال من لبن المصابات بالمرض محافظة على حياتهم وعدم تعريضهم إلى الخطر فإن الله نهى عن التعرض للمهالك، والأمر بحفظ النفس مما اجتمعت الشرائع على وجوبه، إلا أنه ينبغي تقييد هذا الحكم بأن لا يخشى على الطفل الهلاك جوعاً لاسيما في بعض البلدان التي لا يوجد فيها بديل للرضاعة الطبيعية من امرأة أخرى سليمة أو رضاعة بديلة من الألبان المجففة فيجب حينئذ إرضاعه من أمه وعدم تركه للهلاك العاجل جوعاً إذ إن ترك إرضاعه من أم مصابة لا بديل للرضاعة عنها هلاك محقق وعند رضاعته منها وهي مصابة احتمال السلامة عال حيث إن الأسباب المؤدية إلى العدوى قد يبطل الله مفعولها وقد يحدث من الأسباب الأخرى ما يعارضها وقد يسهل الله اكتشاف علاج له أو مصل واق في القريب العاجل وما ذلك على الله بعزيز، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.... والله أعلم.


(١) محمد البار ومحمد صافي الإيدز، ص ٣٧، وكمال رفعت ص ٢٥؛ ومقابلة أجريتها مع مجموعة من الأطباء المختصين
(٢) العلائي، المجموع المذهب في قواعد المذهب: ٢/ ١٥٨ ب؛ وانظر ابن خطيب الدهشة، مختصر قواعد العلائي: ٣/ ٥٤٢- ٥٤٣
(٣) البهوتي، كشاف القناع: ٣/ ٤٩٩

<<  <  ج: ص:  >  >>