للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا الاستعراض المجمل للحركات التي ظهرت ببلاد الهند وباكستان، والتي انتشرت آراؤها وتعاليمها في العالم الغربي وبعض البلاد العربية، لتعود إلينا باللغة العربية وبغيرها من اللغات الحية، مورية نار الفتنة التي أوقدت ببلاد المسلمين عامة، يزداد الخطر المحدق بالإسلام والمسلمين فظاعة، وتظهر من خلاله النوايا المبيتة التي يعمل من أجل تحقيقها أعداؤه.

وهكذا باسم البحث العلمي الذي يدعونه لأنفسهم باطلاً وباسم الإسلام والدراسات الإسلامية التي لا يلمون بشيء منها، يوجهون للفكر الإسلامي أخطر القوارع لدكه من أساسه، وإلغاء ما بينه وبين غيره من مميزات وفروق، قصد طي آثار الحضارة الإسلامية، وإذابة المجتمع الإسلامي، والقضاء على هويته ومقوماته. ودليل ذلك أن حركة إنكار السنة في الشرق والغرب لم تقف عند القول بعدم حجيتها، أو عند الدعوة إلى عدم العمل بها، وإن كان ذلك في ذاته منكراً من القول، وكفراً وتعطيلاً لأحكام الله وشريعته، ولكنها تجاوزت ذلك إلى تأويل القرآن وتفسيره بغير علم، وإخضاعه لما يرونه أو يعتقدونه من اتجاهات أو أفكار، وتصوير الإسلام بما يتفق وأغراضهم، ويخدم ميولهم ومصالحهم، لا بما أراده الله من إرساء قواعد العدل والأمن والسلم والمساواة، وبناء الحياة الإنسانية على المنهج الرباني الذي دعت إليه الرسالة، وحققه الوحي في الصدر الأول من تاريخ الأمة الإسلامية. وكان فيه الإعلان القولي والبيان العملي للناس كافة يردد عليهم النداء: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٢) } [الأحقاف: ٣١ – ٣٢] .

ولعل المؤمنين الصادقين والمسلمين الواعين يقدرون هذه الأوضاع، فيتقدمون بما فرضه الله عليهم من دعوة الناس إلى الحق وإلى صراط مستقيم. قال جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: ٣٣] . وإذا وجدوا معارضة أو جحوداً، أو مخالفة قاطعة ونزاعاً في الدين، فإن أمر الله لهم بالمضي في الدعوة قائم: {فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (٦٨) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩) } [الحج: ٦٧ – ٦٩] . وقد حدد تعالى منهج الدعوة وسبيلها الناجعة في قوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>