٣- مشكلة عدم تقبل الناس لفكرة الخسارة في الحسابات الاستثمارية:
حاولت البنوك الإسلامية عندما بدأت نشاطها قبل نحو عقدين من الزمان أن تقدم نفسها إلى الجمهور كبديل للبنوك التقليدية، وحرصت على أن تعرض أنواعاً من الخدمات شبيهة بما تقدمه تلك البنوك، ومن المعروف أن أهم أنواع الحسابات (الودائع) التي تقدمها البنوك التقليدية هي الحسابات الجارية وحسابات التوفير والحساب لأجل، لذلك كان جانب الخصوم في البنك الإسلامي يتضمن أيضاً الحسابات الجارية، ودائع التوفير، والحسابات الاستثمارية، مع اختلاف في المسميات بين البنود المختلفة، فجاءت الأولى شبيهة بالحسابات الجارية لتكون بديلاً عنها، وجاءت الثانية بديلاً عن حسابات التوفير فصممت بشروط مشابهة عدا أن ما يتحقق لصاحبها هو الربح لا الفائدة، وجاءت الثالثة بديلاً عن الودائع لأجل، فحددت فيها الآجال متوسطة وطويلة ... إلخ.
لقد أدى هذا الهيكل الذي تبنته البنوك الإسلامية لأنواع الحسابات فيها إلى نجاح كبير، ولكنه زرع في أذهان الجمهور أن تلك الحسابات هي شبيهة بالحسابات التقليدية في جوانبها المختلفة بما فيها درجة المخاطرة، ولكنها ارتبطت في أذهان الجمهور بفكرة (العائد الثابت) المضمون الذي هو أساس العمل المصرفي التقليدي.
ومعلوم أن البنك الإسلامي –وإن كان بإمكانه أن يتوقع مقدار ما سيتحقق من ربح بصفة دقيقة في أكثر الأحيان- لا يمكنه أن يقطع بذلك؛ لأن الربح –بخلاف الفائدة- ليس مضموناً، ولا يعلم تحققه إلا في نهاية المدة، لاسيما بالنسبة لتلك البنوك الإسلامية التي لا تقتصر في أصولها على الديون، بل تمارس أنواع المشاركات والمضاربات والاستثمار المباشر في العقار وخلافه، والمفترض أن هذا أمر معلوم للناس، فهم عندما يودعون أموالهم في حسابات استثمارية إنما يفعلون ذلك لغرض الحصول على الربح، وإنهم سيتقبلون الخسارة لو تحققت لأن الغنم بالغرم.
لكن تجارب البنوك الإسلامية تدل على خلاف ذلك، فإن العملاء لا يتقبلون أن يقال لهم: إن حسابات الاستثمار لم تحقق أرباحاً هذا العام، أو أنها لحقت بها بعض الخسائر، حتى لو كانت تلك هي الحقيقة، وقد وقعت بعض البنوك الإسلامية في حرج شديد عندما حاولت أن تحمل المستثمرين الخسارة التي تحققت في مشاريع مولتها أموالهم المودعة لدى البنك، الأمر الذي اضطرها إلى تحميل الجزء الأكبر من تلك الخسائر على رأس المال بنسبة تزيد كثيراً عن نسبة مساهمة أموال ملاك البنك في الاستثمارات المذكورة.