للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الخامس

المصارف الإسلامية والوساطة المالية

المصارف التقليدية مصارف وسيطة، فهي تقترض من طرف (المودعين) ، وتقرض إلى طرف آخر (المقترضين) ، فهي وسيطة بالمعنى الاقتصادي، بمعنى أن المقرضين لا يقرضون المقترضين مباشرة، بل يتم ذلك بوساطة المصارف. وليست وسيطة بالمعنى الحقوقي، فعلاقتها بكل من الطرفين علاقة مستقلة، فهي ليست وكيلة عن الطرف الأول أمام الطرف الآخر. (١)

والمصارف الإسلامية أول ما قامت على أساس استبدال القراض بالقرض، على أساس المقارض يقارض = (المضارب يضارب) ، فلما برزت صعوبات القراض تم التحول من المشاركات إلى المداينات، في صورة بيوع مؤجلة وإجارات. ولكن مع هذا التحول برزت مشكلات في الفتوى، فإذا قامت المصارف الإسلامية بالبيوع المؤجلة مثلاً، فيجب شرعاً أن تكون بائعة حقيقة، أي تمول المشتري تمويلاً مندمجاً بالبيع (تمويلاً مباشراً) ، فإذا فعلت ذلك لم يكن هناك أي شبهة شرعية. أما إذا قامت بهذه البيوع المؤجلة بائعة في المظهر، ممولة في المخبر، فهذا أقرب للعمل المصرفي السائد، ولمفهوم الوساطة المصرفية أو المالية، ولكنه يثير شبهات شرعية؛ لأن فيه فصلاً للتمويل عن البيع.

وفي كثير من الحالات، على المفتي أن يضع نصب عينيه هذه القاعدة الكبرى التي تنيره في الفتوى، فلا يفتي لعملية بالحل، يكون ظاهرها البيع وحقيقتها وساطة مالية مجردة.

على أن الوساطة المالية إذا ثبت بالدراسة الشرعية أن لا مجال لها في الإسلام فإن معنى ذلك أن المصرف الإسلامي سيكون تاجر سلع وخدمات، لا تاجر نقود وديون. (٢) وهذا ما يجعل المصرف لفظاً بلا معنى؛ لأن حقيقته إلغاء المصرف بالمعنى الاصطلاحي له. وهذا ما يتناقض مع المسلمة الثانية التي قام عليها المصرف الإسلامي، وذكرناها في مقدمة هذه الورقة.

الدكتور رفيق يونس المصري


(١) كتابي: الجامع في أصول الربا (ص ٤٢٧) .
(٢) كتابي: مصرف التنمية الإسلامي، ط ٣ (ص ٤١٨) ، وبحثي: النظام المصرفي الإسلامي خصائصه ومشكلاته (ص ١٨٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>