وقد ذكر بعض أهل العلم أن الذهب والفضة خلقا للثمنية وهذا القول فيه تجاوز، فقد مر بنا أن أول عهد الإنسان بالتبادل كان على سبيل المقايضة ثم اتخذت السلع ذات الندرة وسيلة للتبادل ثم اتجه إلى الذهب على نحو ما ذكر، وقد اتجه المحققون من علماء الفقه الإسلامي والاقتصاد إلى أن الثمن هو أي شيء يلقى قبولا عاما للإبراء المطلق بصلاحه للتقويم والاختزان.
وهذا لا يعني التقليل من أهمية الذهب في مقام الثمنية فلا شك أنه غير موغل في الثمن، ولهذا جاءت النصوص بجريان الربا فيه عموما؛ في مسكوكه وسبائكه وغيره.
وعليه فإننا في شك من صحة ما قيل بأن الذهب خلق للثمنية، وقد يقوى الشك لمن يتم له استعراض الأدوار التاريخية التي مر بها النقد حتى صار إلى ما هو عليه الآن (١) .
علة الربا في الذهب:
اختلف العلماء رحمهم الله في تعيين علة الربا في الذهب إلى مجموعة أقوال. فقد قيل: إن العلة في ذلك الوزن، وقيل بأن العلة فيه غلبة الثمنية، وقيل بأن العلة في ذلك مطلق الثمنية. وجرى في البحث استعراض هذه الأقوال ومناقشتها، واختيار القول بأن علة الربا في الذهب مطلق الثمنية، وتوجيه الاختيار والرد على الأقوال الأخرى بما يبرر الاختيار ويؤيده.
وفيما يلي الإجابة عن المسائل التي طرحها مجمع الفقه الإسلامي ورغب الإجابة عنها.
ومنها: حكم المبادلة بين مقدار من الذهب ومقدار أقل منه مضموما إليه جنس آخر.
الحكم في ذلك فيما يظهر لي الجواز لأن الزيادة في أحد العوضين مقابلة بالجنس الآخر في العوض الثاني أشبه الحكم بجواز بيع حلي الذهب بأكثر من وزنه ذهبا حيث إن الزيادة في الثمن وزنا هي قيمة الصنعة في الحلي، وقد مر بنا النقل عن ابن القيم رحمه الله في ذكر هذا الحكم وتعليله.
ومنها: بيع الذهب بالقيمة إذا كان مشغولا أي فيه صنعة وصياغة.
لا يخفى أن الذهب قد يباع بذهب وقد يباع بنقد آخر من فضة أو ورق نقدي أو فلوس. فإذا كان الذهب المبيع مشغولا كأن يكون حليا فإن بيع بذهب فلا بأس أن يكون الثمن أكثر وزنا من وزن الذهب الحلي وتكون الزيادة في الوزن في مقابلة الصياغة والعمل، وقد مر بنا رأي ابن القيم في ذلك وذكره في تعليل القول بالجواز إلا أنه يشترط للمبادلة بينهما الحلول والتقابض في مجلس العقد. وأما إذا كان أحد العوضين ثمنا غير الذهب فلا بأس في البيع مطلقا لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت: ((فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد)) .
ومنها: المتاجرة في الأواني أو الحلي والساعات الذهبية المصنوعة للرجال.
(١) انظر الورق النقدي ص٢٦- ٣٢ لمؤلفه عبد الله بن منيع