للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما عن خبراتي الشخصية في هذا المجال فإننا في خلال السنوات العشر الأخيرة وحتى اليوم وبالرغم من تشخيص وفاة جذع المخ فإننا لا نرفع أجهزة التنفس الصناعي ولا نتوقف عن إعطاء كافة المسعفات حتى يتوقف القلب نهائيًا وذلك انتظارًا لكلمة الشرع في هذا المجال من ناحية، ولتوافر الأجهزة اللازمة وعدم وجود تكلفة مادية على أهل المرضى من ناحية أخرى، وعلى الرغم من ذلك ففي خلال هذه الفترة لم أشاهد أيًا من هذه الحالات قد تحسنت حالته أو استمر قلبه في الخفقان لفترة طويلة بعد هذا التشخيص، وإذا تصادف وأجريت الصفة التشريحية لمتوفي من هذا النوع عند توقف قلبه نجد أن المخ قد تحلل تمامًا وتحول إلى مادة سائلة داخل الجمجمة.

وهنا قد يثار تساؤل: إذا كان نقل الأعضاء ممكنًا فماذا عن نقل المخ لمن تلف مخه والرد على هذا التساؤل بديهي لأن القاعدة هي نقل العضو الحي، ولكن المخ الحي لا يكون إلا في إنسان حي ونقل المخ منه هو قتل له، ناهيك عن الاستحالة التكنيكية للعملية فإن ذلك يتطلب نقل المخ والنخاع الشوكي مع زوائد المخ وهي العينان والأنف وتوصيل عدد من الأعصاب يصل إلى ثمانين عصبًا وعدد من الشرايين والأوردة يصل إلى مثل هذا العدد في فترة زمنية لا تتعدى الأربع دقائق!

وإذا فرضنا جدلًا إمكانية حدوث ذلك فالأغلب أن الذي يتم هو نقل الجسم الذي توفي مخه إلى المخ الحي وليس العكس لأن المخ الحي يحمل معه صاحبه أي تصحبه ذاته أما الذات الإنسانية التي توفي مخها فقد انتهت من عالمنا وسبحان من له الدوام، ولنذكر قول الله تعالى في سورة الزمر آية ٤٢: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} صدق الله العظيم.

فالموت إذن هو النهاية للحياة الإنسانية والنفس الإنسانية وليس بالضرورة لأعضاء وخلايا الجسم الأخرى والتي قد تعيش سنوات وسنوات بعد نقلها في أجساد أخرى وفي الآيات السابقة وصف الله النوم بالوفاة وهي درجة من درجات الحياة كما في حالات التخدير وهو ما أطلقنا عليه الحياة الجسدية.

وأرى أن أنتهز هذه الفرصة لأسجل هذه المسميات والتي قد تكون أقرب للناحية العملية والمنطق من المسميات الشائعة والخاطئة والواردة حتى في الكتب الطبية.

<<  <  ج: ص:  >  >>