وقسم ثالث اعتمدوا على أنواع من المقتنيات مقياسا لأثمان البضائع فقالوا: إن هذه البضاعة تساوي كذا خروفا أو كذا سيفا أو كذا وزنا من الذهب أو الفضة. وقد سبق ذلك ضرب النقود عند أكثر أمم الأرض ولم يزل على قلة في بعض الأطراف.
وقسم رابع اعتمدوا على قطع موزونة من المعادن ضربوها بسكة الدولة حتى لا يدخلها الزيف وجعلوا لها قيمة مطلقة يقومون بها أثمان البضائع وهم كل الشعوب المتمدنة.
ومن الجدير بالذكر أن الباحث عن أصل النقود عليه أن يعود إلى مهد المعارف والصنائع، بلاد الصين العظيمة التي سبقت كل العالم إلى رياض التمدن؛ فقد وجد في هذه البلاد نقود ضربت فيها قبل ميلاد المسيح بنحو ألفين ومئتين وخمسين سنة، ومن هذه النقود ما شكله كالقميص أو كالسكين كأنهم كانوا يبيعون ويشترون بالأقمصة والسكاكين.
ثم لما انتبهوا لإبدالها بقطع من المعدن جعلوا شكل القطع كشكل الأقمصة والسكاكين فصارت السلعة التي تساوي عشرين قميصا تساوي عشرين بوا (الفلس الذي بشكل القميص) والسلعة التي تساوي خمسين سكينا تساوي خمسين تاوا (الفلس الذي بشكل السكين) .
ثم إن هذه النقود لما كانت بطبيعتها عسرة الحمل تفطن الصينيون لسبكها مستديرة فقالوا: إن النقود التي تدور العالم يجب أن تكون مستديرة فضربوها كذلك وسبكوها سبكا فأصبحت هدفا للتزييف حتى أنك ترى في تاريخ نقود الصين المنع الأكيد عن زيف النقود والحث البليغ على إرجاعها إلى ميزانها.
وفي عام (١١٩) قبل الميلاد فرغت خزانة الملك (اوتي) من النقود فأمر وزيره بنشر نقود من جلد الغزال الأبيض تضاهي أوراق البنك المتعارفة في يومنا هذا، ومن هنا نسب بعض الباحثين تأسيس البنك إلى الصينين – فلم تلبث أن أصابها ما يصيب أوراق بعض الدول في هذه الأيام أي انحطت أثمانها كثيرا حتى بيع قرص الأرز بما قيمته ثلاثة آلاف ليرا من هذه الأوراق.
ويتلو أهالي الصين في السبق إلى استعمال نقود الورق منذ أمد بعيد أهالي اليابان، فقد قيل إنه ورد في الجزء التاسع والخمسين من قاموسهم العام المسمى (سن تساي دَن) : إن نقود الورق استعملت في أيام دولة سنغ ودولة يون ولم تف بالغرض لأن الفيران كانت تقرضها والمطر يبللها والاستعمال يبريها.
أما المصريون فقد كانوا يتعاملون بقطع النحاس يزنونها وزنا ولم يتعاملوا بالذهب والفضة إلا قليلا وربما صاغوها حلقات كالخواتيم وتعاملوا بها كذلك، وأول من ضرب النقود في مصر المرزبان ارنيدس اقتداء بداريوس الهخامنشي ملك الفرس.