للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل ما أسلفت يكفي للإجابة على السؤال الثاني من الأسئلة المطروحة وهو متى يوقف الطبيب أجهزة الإنعاش؟

وكما أن المهنة الطبية لم تستقر على قبول موت جذع الدماغ كموت للإنسان إلا بعد معاناة ومخاض فكري ودراسي وتمحيصي، فكذلك الطبيب الذي يتخذ القرار وينفذه لا يأتي ذلك بسهولة أو دون روية أو دون معاناة نفسية.

فالعاطفة الإنسانية غلابة بالرغم من الاقتناع العقلي وخاصة إذا كان القرار يصدر من الطبيب الذي يتولى العلاج المباشر للمريض، وقد شهدت أكثر من مرة أطباء لا جدال في طول خبرتهم وعلو كفاءتهم، وكأنهم لا يستطيعون أن يتوقفوا عن محاولات الإنعاش، بل يقاومون وقفها بالرغم من ثبوت الموت حتى يفيئوا بعد جهد إلى تذكير زملائهم وإلحاحهم.

زراعة الأعضاء:

وينشأ بعد ذلك السؤال الثالث وهو عن زراعة الأعضاء.

وقد صدرت فتاوى تبيح نقل عضو من حي تبرع به لسواه بشروط.

من أهمها ضرورة ذلك للمستفيد وعدم هلاك المتبرع، وسؤالنا هنا عن جواز أخذ أعضاء من الموتى لزراعتها في الأحياء.

ونقول ابتداء: إنه لا يوجد طبيب صحيح العقل فضلًا عن طبيب مسلم يفكر في الإجهاز على مريض محتضر لنقل عضو من أعضائه إلى مرض آخر يوشك أن يموت، فللطبيب التزامه المهني بالمحافظة على الحياة الإنسانية ابتداء من لحظة الحمل حتى تحقق الموت، والمسلم يعرف قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (١) ويستشعر حرمة الحياة الإنسانية في قوله تعالى {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (٢) ويحذوه في عمله الطبي قوله تعالى في نفس الآية {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (٣) وإحياء النفس بإنقاذها من هلكة يندرج تحته كل أنواع العلاج بما فيها زراعة الأعضاء.

وإذا كانت الفتاوى قد أجازت للحي أن يتبرع بعضو من أعضائه أثناء حياته فما يمنع أن يوصي – بالانتفاع - بهذا العضو بعد وفاته؟ وإذا لم يوص هل يجوز ذلك من وليه؟ وهل يجوز أن يحل الحاكم أو المجتمع أو القانون مكان الولي إذا لم يكن الميت قد أوصى بالتبرع أو بعدم التبرع؟

بعض الدول سنت قانونًا يبيح أخذ الأعضاء من الميت ما لم يكن قد أوصى بغير ذلك، وبعضها يمنع أخذ الأعضاء ما لم يكن الميت قد أوصى بالتبرع، وبعضها يشترط فوق ذلك موافقة الولي على إنفاذ الوصية.

أين نحن كمسلمين من هذا الخضم؟ هذا ما ننتظر جوابه من الندوة الموقرة.


(١) سورة آل عمران/ ١٤٥
(٢) سورة المائدة/ ٣٢
(٣) سورة المائدة/ ٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>