اشتراط قبض بضاعة قبل بيعها
يقول ابن قدامة: (أما بيع المسلم فيه قبل قبضه فلا نعلم في تحريمه خلافا) .
قلت: الخلاف موجود، فقد منع المالكية بيع المسلم فيه قبل قبضه إذا كان طعاما، وجوزوا بيعه قبل قبضه إذا لم يكن طعاما، سواء باعه المسلم من المسلم إليه، أو من غيره، إلا أنه إذا باعه من المسلم إليه، قبل الأجل، فلا يجوز أن يبيعه بأكثر من الثمن، الذي اشتراه به، وإنما يبيعه بمثل الثمن أو بأقل، ويقبض الثمن، وأما إذا باعه من غير المسلم إليه، فيجوز بيعه بأكثر من الثمن أو أقل منه، أو بمثله، إذا قبض.
هذا هو مذهب مالك، وما ذكره ابن قدامة من تحريم بيع المسلم فيه قبل قبضه هو رأي الجمهور، وهو الراجح عندي الذي ينبغي العمل به، بالنسبة لبيع المسلم فيه من غير بائعه؛ لأنه هو الذي تدل عليه الأحاديث الواردة في بيع ما لم يقبض.
والعلة في تحريم بيع المسلم فيه قبل قبضه هي الربا، والغرر الناشئ عن عدم القدرة على التسليم، وعدم دخول السلعة في ضمان المشتري.
وقد اختلف الفقهاء في المراد بالقبض فيما يمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر – المنقول – والذي أراه بالنسبة للمسلم فيه أنه إذا كان من المقدرات – وهذا هو الغالب فيه – فقبضه يكون باستيفاء قدره، وإذا كان من غير المقدرات يكون القبض ما يعتبره العرف قبضا، وذلك عملا بالأحاديث الصحيحة المصرحة بالأمر بالكيل فيما بيع بالكيل، وعملا بالعرف فيما لم يرد فيه نص.
ويتضح من هذا أنه لا يغني عن القبض التحقق من قدرة المسلم إليه على توفير السلعة عند حلول الأجل، ولا التأمين على السلعة المسلم فيها، ولا وجودها في مخازن عمومية منظمة، لأن قدرة المسلم إليه على تسليم السلعة عند حلول الأجل شرط لصحة عقد السلم، فلو كان المسلم إليه غير قادر على التسليم، أو شاكا فيه لا يصح العقد.
ووجود السلعة في مخازن عمومية منتظمة محقق للقدرة على التسليم وليس قبضا للمسلم فيه.
والتأمين على السلعة ضرب من الضمان، وليس قبضا.
الاستبدال بالمسلم فيه
لا يجوز عند الحنفية والشافعية والحنابلة أن يأخذ المسلم غير ما أسلم فيه بدلا عنه قبل قبضه، ويجوز عند المالكية قضاء المسلم فيه بغير جنسه، سواء أكان القضاء قبل الأجل، أو بعده، بشرط ألا يكون المسلم فيه طعاما ليسلم من بيع الطعام قبل قبضه، وأن يعجل البدل المدفوع لئلا يكون من فسخ الدين في الدين، وأن يكون سلم رأس المال في المدفوع من غير الجنس صحيحا.
وأرى جواز الاستبدال سواء أكان المسلم فيه طعاما أم غير طعام لشرطين:
الأول: أن يكون البدل صالحا لأن يجعل مسلما فيه لرأس مال المسلم؛ لأن البدل سيحل محل المسلم فيه فيشترط فيه ما يشترط في المسلم فيه.
والثاني: ألا يكون البدل أكثر من المسلم فيه لئلا يربح المسلم مرتين.
السلم المتوازي
السلم المتوازي في رأيي، هو حيلة لبيع المسلم فيه قبل قبضه، وهي حيلة ولا تخلو من شبهة الربا التي أشار إليها ابن عباس بقوله في بيع الطعام قبل قبضه: ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ، وبخاصة إذا اتخذ هذا الأسلوب من السلم المتوازي بقصد التجارة الربح، وتكرر السلم المتوازي للمعاملة الأولى، ويدخله مانع آخر هو الضرر الذي يصيب المستهلك من ارتفاع سعر السلعة قبل أن تصل إليه بسبب انتقالها لأكثر من تاجر.
ولهذا فإني أرجح منع هذه المعاملة.