وأما المودعون في حسابات الاستثمار للبنوك الإسلامية، فقدمنا أنهم أرباب أموال في المضاربة، وأن المساهمين مضاربون لهم في حصة ودائعهم، ومشاركون بالنسبة إلى مبالغ سهامهم، فصارت أصول البنك مشتركة مخلوطة بين المساهمين والمودعين، ترجع غنمها وغرمها إلى كل منهما حسب حصته في الأصول، ولما كانت الحسابات الجارية قروضا يستفيد منها البنك في سائر عملياته، ويرجع نفعها إلى المساهمين والمودعين جميعا، فكل واحد من هذين القسمين ضامن للقروض التي يستفيد بها. (١) ، وذلك على أساس القاعدة المعروفة أن الخراج بالضمان، وأن الغنم بالغرم.
وبعبارة أخرى، فإن المستقرض بالنسبة للحسابات الجارية هو البنك، والبنك يتألف من المساهمين والمودعين في الودائع الثابتة وودائع التوفير؛ لأن كل واحد من القسمين مشارك في عمليات البنك، ولا تؤخذ قروض الحسابات الجارية إلا لإنجاز هذه العمليات التي يشاركها فيها المساهمون والمودعون، فتكون هذه القروض مضمونة عليهما جميعا، فلا يوزع الربح فيما بين المساهمين والمودعين في حساب الاستثمار إلا بعد تلبية طلبات المودعين في الحساب الجاري لاسترداد مبالغهم، وعند تحليل لبنك يقدم أصحاب الحساب الجاري بصفة كونهم مقرضين في قضاء ديونهم، وإنما يستحق المساهمون وأصحاب حساب الاستثمار أصولهم أو أرباحهم بعد قضاء ديون الحساب الجاري، بصفة كونهم مستقرضين.
وقد يستشكل هذا بأن هناك ودائع كثيرة في الحساب الجاري قد أودعها أصحابها في البنك قبل أن يدخل شخص في حساب الاستثمار، فكيف يضمن هذا الشخص الجديد القروض التي استقرضها البنك قبل أن يكون شريكا فيه؟
والجواب عن هذا الإشكال أن من يدخل في تجارة جارية كشريك، فإنه يشارك تلك التجارة في جميع ديونها وأرباحها، سواء كانت تلك الديون قد تحملتها التجارة قبل دخوله فيها، فكذلك هؤلاء المودعين، يدخلون في البنك كشركاء، فيتحملون ضمان هذه القروض.
(١) قال العلامة الكاساني رحمه الله: ولو استقرض (أي الشريك) مالا لزمهما جميعا؛ لأنه تملك مال بالعقد، فكان كالصرف، فيثبت في حقه وحق شريكه