للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا غير أنه مع انتشار الشركات المساهمة، وبعد صاحب السهم عن مركز نشاط الشركة وإدارتها، ومع توسع الأسواق المالية ورواج الأسهم وانتشارها، كان من الطبيعي أن تتأثر الأسعار السوقية للأسهم بعوامل أخرى ليست من نوع تلك العوامل التي ذكرناها سابقاً: فالإشاعة صار لها دور كبير في أسعار الأسهم، وكذلك ما ينشر –أو لا ينشر- من معلومات عن الشركة والسوق بشكل عام، وتهافت الناس على الشراء أو على البيع، والأحوال السياسية الإقليمية والعالمية، وما ينشر وما يتوقع عن الأوضاع الاقتصادية العالمية والإقليمية، وبخاصة في البلدان السبع الكبرى اقتصاديًّا، وأحوال السلم والحرب وتوقعاتهما، وكذلك تتأثر أسعار الأسهم باقتراب عطلة نهاية الأسبوع والعطل الرسمية الأخرى في البلدان الكبرى وبأحوال العلوم والاختراعات، وغير ذلك.

ومع النمو الكبير للأسواق المالية واستيعابها لأموال طائلة كبير تبذل في شراء الأسهم –وغيرها من الأوراق المالية - بهدف المجازفة Speculation على أسعارها، لا بقصد تملكها استدرار أرباح الشركات التي تمثل الأسهم رأساميلها، ومع تطور وسائل الإعلام واستخدام الحاسوب في الأسواق المالية وانتشار البرامج الآلية في الشراء والبيع، وكثرة الوسطاء والخبراء ووكلاء الاستثمار، طغت المتاجرة بالأسهم مجازفة على أسعارها، وبعدت أسعار سوق الأسهم عما يحصل في عالم الواقع من تغيرات مادية في الأوضاع الفعلية للشركات، وصار الوهم هو العامل الرئيسي في تغيرات أسعار الأسهم حيث تربح –أو تخسر- آلاف الملايين في ساعات قلائل.

كما صارت الكميات التي يتم بيعها –وشراؤها- في سوق الأسهم يوميًّا تفوق في أحيان كثيرة أعداد الأسهم التي تشكل رساميل الشركات المسجلة في البورصة. كل ذلك يدل على أن هذا النوع من الاستثمار قد تجاوز الحدود التي رسمها الإسلام نهجاً لاستثمار المال وصار استخدام السهم كأداة للمجازفة على السعر وليس مقصوداً لذاته من أجل أرباح الشركات وارتفاع قيمة رساميلها. فهذا النوع من استخدام المال مجازفة على أسعار الأسهم لا ينتج طيبات ولا يزيد منافع، فهل هو يتجاوز معنى العبث الذي أشرنا إليه في القسم الأول من هذه الورقة؟

<<  <  ج: ص:  >  >>