أقول: إن هذا القول الثالث للمالكية الذي أيده الشيخ الرهوني يتفق تمام الاتفاق مع ما هو مقرر في نظرية الظروف الطارئة التي عرضنا خلاصتها في هذه المذكرة، فقد بينا أنها تشترط في الظرف الطارئ أن يؤدي إلى غبن فاحش جدًّا للملتزم بحيث يكون من شأنه أن يرهقه إرهاقاً شديداً، أما إذا أدى إلى فرق غير كبير ولا فاحش، فإنه لا عبرة له.
ملاحظة: يتبين مما أسلفنا أن هبوط العملة الذي يجب أن يؤخذ بالاعتبار، ويتصف به الفرق الناشئ ويوزع على الطرفين الملتزم والملتزم له على كل منهما نصفه إنما هو في حالة الهبوط المفاجئ الذي يحصل عادة بقرار حكومي يتخذ سرًّا ثم يعلن فجأة ويفاجأ به الناس، أو بحدوث طارئ آخر مفاجئ.
أما إذا كانت العملة تهبط قيمتها هبوطاً تدريجيًّا ملحوظاً للعاقدين عند التعاقد فلا عبرة له إلا إذا كان الدين مؤجلاً إلى أجل طويل غير محدد، وأدى الهبوط التدريجي إلى درجة فاحشة بطول الزمن، كما في المهر المؤجل في عقود الزواج، فعندئذ تعتبر القيمة وقت العقد وينصف الفرق بين الزوجين؛ لأنه غير ملحوظ عند التعاقد.
متى يعتبر الهبوط فاحشاً
أما متى يعتبر الهبوط فاحشاً يلحق بكساد النقود ويؤدي إلى تنصيف الفرق؟ فالذي أرى أن الهبوط إذا تجاوز ثلثي قيمة النقد وقوته الشرائية عند العقد في البيع وعند القبض في القرض، وبقي من قيمته أقل من الثلث. فإنه حينئذ يعتبر فاحشاً ويوجب توزيع الفرق على الطرفين، أخذاً من الأدلة الشرعية والآراء الفقهية التي تحدد حد الكثرة بالثلث، والله سبحانه أعلم.
وفي الختام أدعو هذا المجمع الفقهي الكريم إلى أن يعيد النظر في قراره السابق الذي اتخذه في دورة انعقاده في الكويت، وأن يقرر في ضوء ما أوضحته ونقلته آنفاً وجوب تنصيف الفرق الفاحش في سعر العملة في المداينات السابقة، وفي العقود المتراخية التنفيذ، وأن للقاضي سلطة، بناء على رأي الخبراء، في فسخ العقد كليًّا أو جزئيًّا فيما لم يتم تنفيذه، وفقاً لما جاء في قرار المجمع الفقهي بمكة، واستناداً إلى ما استند إليه من الأدلة الشرعية. والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق.