قال صاحب الكفاية (٦/٢٧٩-٢٨٠) : قوله: (وأصل الاختلاف) أي أصل الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، وإنما قيدنا به؛ لأنه بني هذا الاختلاف في غصب المثلي كالرطب مثلاً، وفيه كان الاختلاف بينهما نظير الاختلاف الذي نحن فيه، كذا في النهاية. وفي فوائد الخبازي: وأصل الاختلاف فيمن غصب مثليًّا فانقطع، إلا أن هناك نعتبر القيمة يوم الخصومة عند أبي حنيفة رحمه الله، وهنا لا يقول به؛ لأن إيجاب قيمتها من الفضة يوم الخصومة لا يفسد؛ لأن قيمتها كاسدة وعينها سواء. بل إيجاب العين كاسدة أعدل من قيمتها كاسدة، فأوجب مثلها كاسدة. وعندهما لما وجب اعتبار قيمتها رائجة إما يوم القبض أو آخر يوم كانت رائجة فيه فكسدت كان إيجاب قيمتها من الفضة أولى من إيجاب عينها كاسدة كما في المبسوط. وقول محمد رحمه الله أنظر في حق المقرض بالنظر إلى قول أبي حنيفة رحمه الله، وكذا في حق المستقرض بالنسبة إلى قول أبي يوسف رحمه الله، وفي فتاوى قاضيخان رحمه الله قال محمد رحمة الله عليه: قيمتها في آخر يوم كانت رائجة، وعليه التفوى. وقول أبي يوسف رحمه الله أيسر أي للمفتي أو القاضي؛ لأن قيمته يوم القبض معلومة، ويوم الانقطاع لا يعرف إلا بحرج.
وقال صاحب العناية:(٦/٢٧٩-٢٨٠) : ولا شك أن قيمة يوم القبض أكثر من قيمة يوم الانقطاع، وهو ضرر بالمستقرض، فكان قول محمد أنظر للجانبين (وقول أبي يوسف أيسر) ؛ لأن قيمته يوم القبض معلومة للمقرض والمستقرض وسائر الناس، وقيمة يوم الانقطاع تشتبه على الناس ويختلفون فيها فكان قوله أيسر.
هذا ما جاء في الهداية، وشروحه الثلاثة. وهو يتعلق بحالة الكساد والانقطاع. غير أن العلامة ابن عابدين أغنانا عن الرجوع إلى كثير من كتب الحنفية ببحثه القيم (تنبيه الرقود على مسائل النقود) . قال في البداية: هذه الرسالة سميتها تنبيه الرقود على مسائل النقود، من رخص وغلاء وكساد وانقطاع. جمعت فيها ما وقفت عليه من كلام أئمتنا ذوي الارتقاء والارتفاع، ضامناً إلى ذلك ما يستحسنه ذوو الإصغاء والاستماع.. إلخ. ورسالة ابن عابدين تقع في عشر صفحات، والكتب التي جمع منها فيها المتفق عليه والمختلف فيه، وفي بعضها ما يعارض بعضها الآخر. ورأينا من ينقل بعض ما ذكره ابن عابدين منسوباً لأصحابه دون النظر إلى ما ذكره في موضع آخر معارضاً الرأي الأول، بل أخذ أحد الرأيين على أنه المذهب الحنفي. لذلك رأيت أن أبين خلاصة ما جاء في الرسالة كلها.