للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قاس فقهاؤنا الكرام النقود بقوتها الشرائية، فاعتبروا قوة الدرهم والدينار بما يشترى به، وقوه الفلوس بما يقابلها من الذهب أو الفضة، بل جعلوا قيمة الدرهم بما يقابله من الذهب، فقد ذكروا أنه في عصر الحاكم بأمر الله تزايد أمر الدراهم في شهر ربيع الأول سنة (٣٩٧هـ) فبلغت أربعة وثلاثين درهماً بدينار، ونزل السعر واضطربت أمور الناس فرفعت تلك الدراهم، وأنزل في القصر عشرون صندوقاً فيها دراهم جدد، ومنع الناس من التعامل بالدراهم الأولى فأخطروا، وبلغت أربعة دراهم تساوى درهماً جديداً، وتقرر أمر الدراهم الجدد على ثمانية عشر درهماً بدينار (١) وذكر الذهبي أنه في سنة (٦٢٢هـ) أمر الخليفة بمصر المستنصر بضرب الدراهم الفضة وسعرت كل عشرة بدينار (٢) وذكر الحافظ ابن حجر في أنباء الغمر في سنة (٧٧٦هـ) أنه قد بيع الأردب القمح بمائة وخمسة وعشرين درهماً نقرة وقيمتها إذ ذاك ستة مثاقيل ذهباً وربع، وبيع إذ ذاك دجاجة واحدة بأربعة دراهم، (٣) وقد علق السيوطي على هذه الحوادث السابقة بأن هذا صريح في أن الدراهم كان سعر كل درهم منها ثلثي رطل من الفلوس، وأن سعره بالنسبة للدينار العشر في سنة ٦٣٢هـ وأما في سنة ٧٧٦هـ، فكان سعره نصف عشر دينار، "أي أن كل عشرين درهماً مثقال" (٤)

وقد بلغ الأمر بالفلوس في القاهرة إلى أن جعلت معياراً يقوم به السلع. وذكر المقريزي والمناوي، نقلاً عن الذهبي، أن الأمير محمود الاستادار أكثر ضرب الفلوس بالقاهرة والإسكندرية، فبطلت الدراهم من مصر وصارت معاملة أهلها بالفلوس، وبها يقوم السلع والمبيعات، "قد أدركنا في كل ليلة، من بعد العصر، تجلس الباعة من باب المدرسة الكاملية في باب الناصرية، فيباع لحم الدجاج والأزر كل رطل بدرهم، والعصافير المقلوة، كل عصفور بفلس من كل أربعة وعشرين بدرهم، وذلك في دولة الناصر محمد بن قلاوون" (٥) وفي سنة (٧٩٤هـ) ضربت بالإسكندرية فلوس ناقصة الوزن عن العادة، طمعاً في الربح فآل الأمر إلى أن كانت أعظم الأشرار في فساد الأسعار وفي نقص الأموال وفي سنة (٨٠٦هـ) نودي على الفلوس بأن يتعامل بها بالميزان، وسعر كل رطل بستة دراهم، وكانت فسدت إلى الغاية بحيث صار وزن الفلس ربع درهم وبعد أن كان مثقالاً، وفي عام (٨١٤هـ) أمر الناصر بأن تكون الفلوس كل رطل باثني عشر درهماً، فغضبت التجار، وأغلقوا حوانيتهم، إظهاراً لغضبتهم، فغضب السلطان لذلك وكاد يضع فيهم السيف، لولا شفاعة الأمراء، ولكنهم ضربوا جماعة منهم، "وشنق رجل بسبب الفلوس، ثم انحل أمر الفلوس بعد الفتنة" (٦) وفي سنة (٨٢٦هـ) عقد مجلس بسبب الفلوس، فاستقر أمرها، ونودي على الفلوس أن الخالصة كل رطلين سبعة دراهم والمخلوطة كل رطل بخمسة دراهم، وحصل بين الباعة، بسبب ذلك، منازعات، ثم في آخر رمضان من السنة السابقة، نودي على الفلوس المنقاة بتسعة، ويمنع المعاملة من الفلوس أصلاً، فسكن الحال ومشى، ونتيجة لذلك رخص فيها سعر القمح، حتى انحط إلى ستين درهماً الأردب، بحيث يتحصل بالدينار المختوم أربعة أرادب. (٧)


(١) رسالة المقريزي ص (٥٩) ؛ ورسالة المناوي ص (١٠٠) .
(٢) نقلاً عن المناوي في رسالته ص (١٠٧)
(٣) أنباء الغمر في أبناء العمر (١/٩٢)
(٤) نقله عنه الحافظ المناوي في رسالته ص (١٠٨-١٠٩)
(٥) أنباء الغمر في أبناء العمر (١/٩٢) ونقله عنه الحافظ المناوي في رسالته ص (١٠٨-١٠٩)
(٦) أنباء الغمر للحافظ ابن حجر (٢/٤٨٧) والنقود والمكاييل للمناوي ص (١١٤) .
(٧) أنباء الغمر (٣/٣٠١) ؛ والنقود والمكاييل ص (١١٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>