للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا أردنا نلقي الضوء على الروح التي هي اللطيفة الربانية التي أودعها الله في الإنسان، وجدنا أنفسنا أمام تعريفات عدة، ولكن حسبنا أن نذكر التعريف المعول عليه عند المحققين من العلماء، وهو:

"الروح عبارة عن جسم نوراني علوي حي متحرك مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس" سرى فيه سريان الماء في الورد، والدهن في الزيت، والنار في الفحم، لا تقبل التحلل والتبدل والتفريق والتمزق، تعطي الجسم المحسوس الحياة وتوابعها إذا كان الجسم قد تم استعداده لها، وهو المراد بقوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} وتظل هذه ملازمة له ما دام صالحًا لقبولها، لعدم حدوث ما يمنع من السريان كالأخلاط الغليظة، أو التلف والفساد، ومتى حدث ذلك حصل الموت لعدم صلاحية الجسم" وهذا هو رأي ابن سينا، والفخر الرازي وابن القيم وجمهور العلماء.

إذن فالروح هي التي تعطي الجسد الحياة، والجسد هو الذي يكون به الإنسان إنسانًا يتحرك وتجري عليه الأحكام، فبدونه أو بدون صلاحه لا روح ولا حياة.

والإنسان لا يصير إنسانًا إلا بالروح والحياة معًا. لقوله تعالى {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} فما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم إلا بعد أن استكمل خلقه جسدًا وروحًا.

الجسم الإنساني:

يعرف الفخر الرازي الإنسان فيقول: الإنسان جسم موصوف متولد عن امتزاجات أجزاء العناصر بمقدار مخصوص.

والفخر الرازي بهذا يعرف الإنسان بجسمه المادي الموجود أمامه يراه ويحسه ويسميه الجسم الأرضي، كما يسميه الناس اليوم الجسم العضوي.

ثم يزيد الفخر الرازي تعريف الجسم إيضاحًا فيقول: الجسم الذي تغلب عليه الأرضية هو: الأعضاء الصلبة الكثيفة كالعظم والغضروف والعصب والوتر والرباط والشحم واللحم والجلد والدم، ثم قال: ولم يقل أحد من العقلاء أن الإنسان مغاير لهذا الجسم، ولم يقل أحد من العقلاء كذلك: إن الجسم عبارة عن عضو معين من هذه الأعضاء" (١) انتهى كلام الفخر.


(١) الفخر الرازي ٢١ /٤٣/ ٤٤

<<  <  ج: ص:  >  >>