للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثر القول بسد الذرائع:

لقد انبنى على الخلاف في اعتبار الذرائع والقول بسدها وعدم اعتبارها، وعلى التوسع بالأخذ بها والتضييق في اعتبارها، خلاف بين الفقهاء في كثير من الفروع الفقهية، إذ يحكم بعضهم على تصرفات بدرت من المكلف بالبطلان والفساد، ويمنع ترتب آثارها عليها، نجد البعض الآخر يحكم عليها بالصحة والجواز، ويبني عليها آثارها المعتبرة شرعًا.

وهكذا نجد أثر هذا الدليل والاختلاف فيه ظاهرًا في كثير من أبواب الفقه الإسلامي، وها أنا أضرب بعض الأمثلة على خلاف الفقهاء في القول باعتبار هذا الدليل أو عدم اعتباره.

١ -من ذلك اختلاف الفقهاء ـ رحمهم الله تعالى ـ فيمن اشترى طعامًا بثمن إلى أجل معلوم، فلما حل الأجل لم يكن لدى البائع طعام يدفعه إلى المشتري، فاشترى من المشتري طعامًا بثمن يدفعه إليه مكان طعامه الذي وجب له.

أجاز ذلك الشافعي وقال: لا فرق بين أن يشتري الطعام من غير المشتري الذي وجب عليه أو من المشتري نفسه، وجهة نظره رحمه الله مبنية على أصل من أصول مذهبه، وهو أنه ينظر إلى الصيغة التي تم بها العقد دون النظر إلى نية المتعاقدين، ولما كانت الصيغة سليمة من الشروط الفاسدة، فلا عبرة بالنية كما قلنا.

ولم يجز الإمام مالك صورة البيع هذه واعتبرها من الذريعة إلى بيع الطعام قبل قبضه؛ لأن البائع قد رد إلى المشتري الطعام الذي كان قد ترتب في ذمته، فيكون قد باعه منه قبل أن يستوفيه، وصورة الذريعة في ذلك ما ذكرها ابن رشد " أن يشتري رجل من آخر طعامًا إلى أجل معلوم، فإذا حل الأجل قال الذي عليه الطعام: ليس عندي طعام، ولكن أشتري منك الطعام الذي وجب لك علي، فقال: هذا لا يصح؛ لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى " (١) .

٢- بيع الحيوان بالحيوان: اتفق الأئمة على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلًا إذا كان يدا بيد، واختلفوا في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، أي إلى أجل، وذلك على النحو التالي:

أ- ذهب مالك رحمه الله إلى أنه لا يجوز النساء فيما اتفقت منافعه وتشابه مع التفاضل، ويجوز فيما عدا هذا، قال ابن رشد: " وأما الأشياء التي ليس يحرم التفاضل فيها عند مالك، فإنها صنفان: إما مطعومة وإما غير مطعومة، فأما المطعومة فالنساء عنده لا يجوز فيها، وعلة المنع الطعم، وأما غير المطعومة فإنه لا يجوز عنده شاة واحدًا بشاتين إلى أجل إلا أن تكون إحداهما حلوبة والأخرى أكولة، هذا هو المشهور عنه" (٢) .


(١) بداية المجتهد ونهاية المقتصد ٢/ ١٤٦
(٢) انظر بداية المجتهد ونهاية المقتصد ٢/ ١٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>