للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نهاية الحياة

للأستاذ عبد القادر بن محمد العماوي

القاضي بالمحكمة الشرعية الأولى بقطر

الموت:

لا ريب أن الموت الطبيعي يكون تدريجيًا، فتموت الخلايا أولًا ثم الأنسجة ثم الأعضاء والأجهزة الحيوية، وبعد ذلك يتوقف الجسم بكامله عن العمل، ولكن هناك موتًا غير طبيعي، فإذا قطع الوتين مثلًا مات الشخص، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧) } (١) وقالوا: إن الوتين هو نياط القلب وهو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب إذا انقطع بطلت القوى ومات صاحبه، قال ابن تيمية: ولم يرد أنا نقطع ذلك العرق بعينه، ولكنه أراد لو كذب علينا لأمتناه، لكان كمن قطع وتينه، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم ((مازالت أكلة خيبر تعاودني وهذا أوان قطع أبهري)) ، وقالوا: إن الأبهر عرق يتصل بالقلب فإذا انقطع مات صاحبه فكأنه قال هذا وإن قتلي بالسم فكنت كمن انقطع أبهره.

وقال الفقهاء في أمارات الموت في الذي يموت من علة باسترخاء قدميه ولا ينتصبان ويميل أنفه أو ينخسف صدغاه أو تمتد جلدة وجهه أو ينخلع كتفاه عن ذراعيه، أو تتقلص خصيتاه إلى فوق مع تدلي الجلدة، وقال الفقهاء: فإن كان هذا شك واحتمل أن يكون به سكتة لعدم العلة، أو ظهرت أمارات فزع أو غيره أحرى إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيرها.

وقال بعض الفقهاء: إن حقيقة الموت تعتبر بجس العرق الذي بين الكعب والعرقوب وبجس عرق في الدبر، وقالوا أيضًا: إن من علامات الموت سكون الحركة في البدن كله وتغير لونه وانقطاع نفسه، ولذلك يعتبر موت الحامل بوضع كفة الميزان أو ما أشبهها على سرتها، فما دامت الكفة تتحرك فهي حية وهذا إذا تبين حملها إما بقولها أو بقول غيرها مما لا يتهم على ذلك، وهم يقولون ذلك لأنهم عاجزون عن الكشف عن الحقيقة إذ لم يكن في متناول أيديهم أجهزة كما هي الآن.

والواقع أننا لا نستطيع أن نحدد الحد الفاصل بين الحياة والموت، وإذا كان الأطباء قد قالوا سابقًا: إن توقف القلب عن العمل هو الحد الفاصل، وقالوا الآن: إن موت الدماغ هو الحد الفاصل، فما يدرينا أن يكتشف العلم وسائل لإنعاش المريض وتنشيط الدماغ مثل ما حصل للقلب؟


(١) سورة الحاقة / ٤٤، ٤٥، ٤٦، ٤٧

<<  <  ج: ص:  >  >>