للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الذريعة:

قلنا إن الذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه قويت التهمة في التطرق به إلى الممنوع، فالأمر غير الممنوع لنفسه هو الوسيلة.

وما قويت التهمة في التطرق به هو الإفضاء، وكون الأمر غير الممنوع يفضي إلى الممنوع يسمى التوسل إليه (١) .

والذرائع: إما أن تكون منصوصا عليها بالكتاب أو السنة، أما مجمعًا على منعها لقطعية الإفضاء فيها أو لغلبة ذلك على الظن غلبة تقارب اليقين.

أو يكثر الإفضاء فيها بحيث يقوم مقام الدليل الظاهر على قصد الإفضاء.

أو تتعلق الذريعة ولو لم يكن إفضاؤها كثيرًا بمحظور خطير يقتضي الاحتياط درءًا لمفسدة فيه (٢) .

ونخلص من ذلك القول إلى أن الذريعة تنبئ عن تهمة مباشرة بغير ما وضعت له.

بينما الوسيلة هي الوصلة والمرحلة المتوسطة ما بين المباشرة والغاية من الفعل هذا، والوسيلة هي الركن الأول من أركان الذريعة وعنصر من عناصرها.

ويلاحظ في هذا الركن:

أولًا: أنه قد يكون مقصودًا لغيره بمعنى أنه وسيلة لمقصود ... وهذا هو الأصل كمن يبيع شيئًا بمائة إلى أجل ثم يشتريه بثمانين حالًا.

فقد آل الأمر من ذلك إلى أنه أقرض ثمانين في الحال ليأخذ عند الأجل بدلها مائة.

لأنه لما عاد الشيء نفسه إليه اعتبر كأن لم يكن موجودًا ولم يجر عليه عقد بالمرة على حين بقيت صورة بينهم لقرض جر نفعًا وهو عين الربا المحرم، فكانت ضمرة عقد البيع ثم الشراء وسيلة مشروعة الظاهر للدخول عليه.

ثانيًا: أنه قد يكون مقصودًا لذاته وذلك حين يتجه الفاعل إليه بالفعل من غير أن يقصد المتوسل إليه فيعد كأنه وسيلة ويأخذ بذلك حكم المقصود بالمنع.

مثاله: من يسب آلهة المشركين غيرة لله وانتصارًا له فيسبون الله تعالى عدوا بغير علم فإنه يمنع من ذلك.

ثالثًا: أنه الأساس الأول الذي تقوم عليه الذريعة لأن وجوده يستتبع بالضرورة وجود الأركان التالية فبمجرد وجوده بالفعل تنتظم معه الأركان التالية وجودًا بالفعل أو تقديرًا.

كالمرأة التي تضرب برجليها ذات الخلاخيل مع قصد الافتتان ثم حصل الافتتان فقد توافرت الأركان الثلاثة. فالضرب وهو الفعل هو الركن الأول والأساس من الأركان الثلاثة ... ومن هنا يكون سابقًا في الوجود على الركنين، قصد الافتتان، وحصول الافتتان وهو الإفضاء، وقصد الإفضاء غير الإفضاء نفسه إذ لا يعدو أن يكون باعثًا على التذرع (٣) .


(١) البرهاني سد الذرائع ص ١٠٢
(٢) البرهاني سد الذرائع ص ١١٧
(٣) سد الذرائع ص ١٠٤

<<  <  ج: ص:  >  >>