للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا ترى من خلال عرض المذاهب الأربعة من قضية بيوع الآجال أن المالكية والحنابلة على قاعدتهم في المنع من كل ما يؤدي إلى ما هو محظور سدًا للذريعة، والشافعية على قاعدتهم في الجواز ما دام أن العقد نفسه لم يشتمل صراحة على القصد إلى الممنوع.

أما الحنفية فيتفقون مع المالكية والحنابلة وإن اختلف مسلكهم في الدليل أحيانًا ـ كما سبقت الإشارة ـ على أنه لا بد من بيان أن بعض فقهائهم يستدلون بحديث زيد بن أرقم وبشبهة الربا فيكون دليلهم هو نفس دليل المالكية في المسألة (١) .

وهذا يرجع بنا إلى تأكيد ـ ما سلف ذكره عن القرافي ـ أن الخلاف بين الفقهاء في سد الذرائع ليس خلافًا في الأصل وإنما هو خلاف في بعض الصور والتفاصيل والجزئيات، وهذا قد تتعدد أسبابه بحسب اختلاف مدارك الفقهاء في تقدير المصلحة والمفسدة والموازنة بينهما، أو توفر أدلة عند فريق في المسألة وهي غير مأخوذ بها عند الفريق الآخر، أو توفر أدلة عند فريق في المسألة وهي غير مأخوذ بها عند الفريق الآخر، أو اختلاف المنزع من حيث التعويل على الظاهر ـ في العقود خاصة ـ أو عدم التعويل عليه والاتجاه إلى النية أو تلمس دلائل أخرى ككثرة القصد إلى الممنوع وهكذا.

والخلاف في كل هذا سائغ ما دام أن الأصل محل اتفاق بسد الذرائع إلى الفساد والضرر متى ما قام الدليل على ذلك بوضوح وجلاء.

يبقى ـ أخيرًا ـ أن نختم هذا المطلب بما ذكره المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة من أن المبالغة مطلقًا في الأخذ بسد الذرائع هي الأخرى مضرة حيث يقول: (إن الأخذ بالذرائع لا تصح المبالغة فيه، فإن المغرق فيه قد يمتنع عن أمر مباح أو مندوب أو واجب خشية الوقوع في ظلم، كامتناع بعض العادلين عن تولي أموال اليتامى أو أموال الأوقاف خشية التهمة من الناس أو خشية على أنفسهم أن يقعوا في ظلم، ولأنه لوحظ أن بعض الناس قد يمتنع عن أمور كثيرة خشية الوقوع في الحرام) (٢) .


(١) راجع بدائع الصنائع للكاساني ٥: ١٩٨، ١٩٩ طبعة دار الكتاب العربي ببيروت
(٢) أصول الفقه للشيخ محمد أبو زهرة: ٢٥١

<<  <  ج: ص:  >  >>