نعم هناك بعض المفاهيم التي يرى الشارع أن يتدخل فيها بنفسه لتشخيص بعض مصاديقها لغموضها على العرف أو لخشيته من اتجاه العرف إلى مصاديق أخرى، كما في الفقاع مثلًا أو الربا المعاوضي.
ولو عدنا إلى موضوعنا لرأينا أن اللازم الحصول على تأكد عرفي من عدم صدق الربا مما يستدعي رفض الحالات المشتبهة بملاحظة ما ورد من تأكيد شديد على عدم الاقتراب منه، هذا مع مراعاة أصول أخرى أكدت على مبدأ السماح والتيسير والمنن الإلهية التي لا ينبغي ردها، والتشدد مخالف لهذه المضامين كما في مسألة (التقصير في السفر) .
وحينئذ فيجب اتباع النظر العرفي الدقيق، والعرف لا يرى الفرق بين العملين أو العقدين إذا لم يتمتع أحدهما بشروط وظروف تختلف عن الأخرى.
فالتغيير اللفظي المجرد لا يخرج العقد من مصاديق الربا وصغرياته في نظر العرف أو أن يقال إن العرف يوسع من مفهوم الربا القرضي متجاوزًا به عقد القرض نفسه ليشمل كل مورد مشابه له إذا لم تختلف الشروط والنتائج فيه فتكون التوسعة في (الكبرى) .
فمحاولات من قبيل ما يلي تعد من تطويل المسافة وتعقيد الأمر فقط:
أ - وضع مال بإزاء عملية الإقراض نفسها لا في مقابل المال المقترض.
ب - بيع ثمانية دنانير مثلًا بعشرة مؤجلة.
جـ- بيع العينة مع اشتراط البيع الثاني في البيع الأول.
وقد جاء في الرواية عن علي بن جعفر عن الإمام الكاظم (ع) قال: سألته عن رجل باع ثوبًا بعشرة دراهم ثم اشتراه بخمسة دراهم أيحل؟ قال إذا لم يشترطا ورضيًا فلا بأس.
وهنا محاولات كثيرة أخرى لا يرى العرف خروجها عن الربا رغم تطويل المسافة.
أما بيوع الآجال أو بيوع الوفاء فإن الشرائط والظروف فيها تختلف من حيث الملكية والتلف والنماء وأمثال ذلك مما يضع علامات تغييرية أمام العرف تمنع من الصدق العرفي للربا عليها.
كما أنها قد تكون عقودًا مقصودة في نفسها دونما أي قصد للربا فلا يمكننا إذن إبطالها بالمعيار العرفي ولا نستطيع بعد هذا أن نستند إلى سد الذرائع لتحريمها أو إبطالها بمجرد أنها قد تؤدي إلى نفس النتيجة أو قد تستخدم غطاء لعملية ربوية، ما دامت لا تؤدي بشكل قطعي أو غالبي إلى الحرام.