ويتجلى عدم اطراد القاعدة فيما قال به مالك وأبو حنيفة من جواز شراء الولي من مال يتيمه على أشهر الأقوال، فلم يلتفت الإمام مالك للتهمة، ولم يعمل بقاعدة سد الذرائع، وإنما اشترط أن يكون في شراء الولي مصلحة وإصلاح ليتيمه مصداقا للحكم في قوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ}[البقرة: ٢٢٠] فقد أذنت الآية في مخالطة اليتامى حتى لا يتسبب الخوف من مخالطتهم في تركهم وترك التعامل معهم، وبالتالي في عزلهم عن المجتمع الذي يعيشون فيه. لذا رغم قيام التهمة في هذا الشراء لم تطبق القاعدة في سد الذرائع، وأوكلت الشريعة الأولياء والحاضنين لهؤلاء اليتامى إلى أمانتهم وإلى تقوى نفوسهم، وحذرتهم بقوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}[البقرة: ٢٢٠] . وكم من أمر مخوف وكلت الشريعة المطهرة أمره إلى أمانة المكلف، وإلى خوفه من الله في الدنيا ومن لقائه يوم يلقاه، فقد جعل الله تعالى النساء مؤتمنات على فروجهن يصدقن في ذلك، ويؤخذ لقولهن، ولو أنهن لا يسلمن من احتمال التهمة، رغم ما يترتب على قولهن من أحكام خطيرة الشأن ترتبط بالحل والحرمة، وترتبط بالأنساب وبالأعراض. فقد وكل الله لهن أمر ما في أرحامهن باعتبارهن مؤتمنات عليها، وأمرهن أن لا يكتمن ما خلق الله فيها، وذلك في قوله تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}[البقرة: ٢٢٨] وفي طالع باب بيع الآجال من شرح التلقين، جاء كلام الإمام المازري رحمه الله، في بيان معنى سد الذرائع، إذ قال: سد الذرائع منع ما يجوز لئلا يتطرق به إلى ما لا يجوز.