قبل كل شيء أود أن أشكر الأستاذ الزحيلي على هذا العرض الشيق وإن اتهمني بالعقلية في المنهج فقط. في الواقع أنا كنت أتحدث عن أصول، وهذه الأصول مستنبطة من نصوص الشريعة. ربما كانت المناقشات فيها شيء من التعقيد، لذلك قد يبدو أن السير عقلي. المهم أننا يجب أن –كما قيل- نحرر محل النزاع ولا أريد أن أطيل.
التركيز كله إنما يكون على الوسيلة التي تؤدي إلى المفسدة كثيرا لكن لا غالبا ولا قطعا بحيث الوسيلة التي لا تنفك عن المفسدة. تلك التي لا تنفك عن المفسدة، أو تلك التي تؤدي بشكل عادي إلى المفسدة كحفر الآبار في الطرق ربما لا يقع فيها إنسان لكنه يؤدي إلى مفسدة بشكل طبيعي. التركيز إنما هو على الوسيلة التي تؤدي إلى المفسدة –إلى الحرام- كثيرا لكن لا غالبًا. هذه الوسيلة هل نحرمها أو تبقى على حكمها الأول من الحرام؟ حفر بئر من الحلية فهو حلال. هذا مهم جدا أن نركز عليه لأنه هو الذي سوف يؤدي إلى النتيجة.
النقطة الثانية: لم أر من الأدلة ما ينهض بقوة إلا كما أشار سماحة الشيخ الجواهري أدلة الاحتياط، (ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه) ، (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) إلى آخره. وأدلة الاحتياط لا تنهض بنفسها أدلة اجتهادية قوية على التحريم وإنما قد ترشد إلى أمور عقلانية عرفية يعمل بها المشرع بشكل جيد (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) و (من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه) .
النقطة الأخرى: المهم في الاستدلال، ما نسميه ما أدري ... نحن هناك أحيانا المصطلحات عندما نقول: الكلي في الذمة أو الكلي في المعين يعني عندما نقول: الكلي في الذمة أو الكلي في المعين يعني الموصوف تارة يكون في الذمة وأخرى يكون في الخارج. هناك صبرة صاع منها أبيعك إياه، هذا الصاع يمكن أن ينطبق على كثيرين، أو عندما يكون في الذمة هذا الذي في الذمة طن من الحنطة يمكن أن ينطبق على هذا الطن وهذا الطن. وما ينطبق على كثيرين نسميه كلي هذه هي صيغتنا، ليس فيه مشكلة. موصوف لكن يقبل الانطباق على كثيرين. هذه هي المصطلحات. نحن عندنا في الأصول في باب التعادل يطرحون مصطلحي التعارض والتزاحم. إذا كان هناك دليلان لا يمكن أن يصدر باعتبارهما يتكاذبان نسميه باب التعارض وله شروطه، وإذا كان هناك أمران يمكن أن يصدرا لكن يتزاحمان في مقام الامتثال (أنقذ غريقًا، لا تغضب) وتوقف إنقاذ الغريق على اجتياز الأرض المغصوبة. هنا تزاحم في مقام الامتثال حل المشكلة كلها في باب التزاحم. هناك تزاحم يحدث بين المفسدة هناك وبين علية هذه الوسيلة. إذا كان هذه حلال فأسلكها. وإذا كان هذه حرام فيجب ألا أسلكها، هذا التزاحم يحل بشكل طبيعي ولدى الجميع عن طريق ملاحظة أهمية الحكمين. فأي الحكمين بنظر الشارع هو الأهم؟ يقدم الأهم على المهم. إنقاذ مؤمن غريق أهم بكثير من اجتياز أرض مغصوبة في نظر الشارع، أو عدم رد سلام مثلًا. فهنا تفتح هذه الوسيلة لتحقيق تلك الغاية. هذا مهم. المهم باب التزاحم يجب أن نلحظه.