للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث السادس: في ظنية الحساب.

وذلك للأمور الآتية:

١- أن قطعية الحساب لا تقبل إلا بنتائج فاشية تفيد العلم اليقيني بصدق نتيجته واطرادها، وإخبار العدول على رسم الشرع من ذوي البصارة به بذلك، ويبسط طريقته بمحضر من أهل العلم لمعرفة مدى سلامة مقدماته شرعًا، هذا لو جعل الشرع المصير إليه.

والواقع أنه ليس لدينا دليل متوفر على هذا المنوال ليكسب إفادته اليقين إلا شهادة بعض الفلكيين لأنفسهم بأن حسابهم يقيني، والأدلة المادية الآتية تقدح في مؤدى شهادتهم، وتقوي نفي نظرائهم في الفلك من عدم إفادته اليقين كما قررته اللجنة الشرعية الفلكية بالأزهر في قراراتها المطبوعة، إضافة إلى أن الشرع لا يعتبر صدق الخبر والشهادة إلا من مبرز في العدالة الشرعية.

٢- قيام دليل مادي في ساحة المعاصرة على أن الحساب أمر تقديري اجتهادي يدخله الغلط، وذلك في النتائج الحسابية التي ينشرها الحاسبون في الصحف من تعذر ولادة شهر رمضان أو شهر الفطر مثلًا ليلة كذا، ثم تثبت رؤية الهلال بشهادة شرعية معدلة، أو رؤية فاشية في ذات الليلة التي قرروا استحالته فيها.

ومنه ما حدث في هلال الفطر شهر شوال من هذا العام ١٤٠٦ هـ فإن الحاسبين أعلنوا النتيجة في الصحف باستحالة رؤية هلال شوال ليلة السبت (٣٠) من شهر رمضان، فثبت شرعًا بعشرين شاهدًا على أرض المملكة العربية السعودية في مناطق مختلفة في: عاليتها وشمالها وشرقها ورؤي في أقطار أخرى من الولايات الإسلامية.

فهذا دليل مادي حاضر مشاهد على أن النتائج الفلكية المعاصرة في هذا ظنية وضعيفة ضعفًا غالبًا، وهذا في ساعة المعاصرة التي ينادي فيها البعض إلى الاعتماد على الحساب ولا أرى هذا الدليل إلا إعلانًا على عدم صدق شهادة الفلكيين لأنفسهم بأن حسابهم قطعي.

٣- ومن شواهد المعاصرة على ذلك أنا رأينا بعض البلدان الإسلامية تعلن الصوم والفطر بموجب الحساب الفلكي، والفارق بينها وبين البلدان التي تثبته بالرؤية يومان أو ثلاثة، فهل يكون في الدنيا فارق في الشهور القمرية الشرعية كهذه المدة؟ وهذا هو عين دخول الخلل في مواسم التعبد مما يقطع كل عاقل بفساده، وقد بسط ابن تيمية رحمه الله تعالى ما يدخل على المسلمين من التلاعب في شعائرهم من جنس ما يحصل من أهل الكتابين وغيرهم، إذ كانت الأحكام عندهم معلقة على الأهلة، ثم جعلوها دائرة على السنة الشمسية على اصطلاحات لهم، ومن جنس النسيء الذي كان عند العرب على ضربين:

الأول: تأخيرهم المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات.

والثاني: تأخير الحج عن وقته تحريًا منهم للسنة الشمسية كما يعلم من تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} .

<<  <  ج: ص:  >  >>