أما الشعبة الأخرى فتخضع إلى مسألة أخرى. بالنسبة للفرد المسلم الذي يذهب إلى بلاد غير إسلامية. فالفقه الإسلامي أجاز للمسلم أن يعمل بالتجارة في بلاد غير إسلامية أن يذهب بعقد أمان، كما يدخل المستأمن الكافر في بلاد المسلمين بعقد أمان. فهنا مسألة الولاية غير واردة (وَلَنْ يَجْعَلَ الْلَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) ، غير وارد في هذا المكان لأن هذه بلاد كافرة ولا سلطة للمسلم فيها وليست له عزة الاحتكام ولا قوة يلجأ إليها، فهو يتعامل مع الناس ومن خلال هذه المعاملات تحدث مشاكل في العقود، في البيع والشراء، وفي الإجارة، في العقود التي قد يبرمها مع هؤلاء ومع الشركات الأجنبية، فهو معرض لهذه الأمور ولابد من سبيل للوصول إلى حقه، فإما أن نقول خذ حقك بيدك وهو أضعف من الضعيف، وأما أن نقول له ألجأ إلى الجهات التي تجعلها هذه الدول لوصول الإنسان إلى حقه. وهناك كلمات ذكرتها طيبة جدًا للإمام ابن تيمية يقارن بين الدولة الكافرة إذا كانت عادلة والدولة المسلمة إذا كانت جائزة، وأن العدل والظلم لا يرتبطان دائمًا بالإسلام والكفر، فقد تكون هناك دولة كافرة ولكن يستطيع الإنسان أن يصل إلى حقه أو تمنع عنه المظالم وقد يعيش الإنسان في دولة إسلامية وهو مهدد في حياته وفي ماله وفي عرضه. فذكرت هذه الكلمات في بحثي. واستشهدت لهذه الواقعة بالمهاجرين الأولين الذين هاجروا إلى الحبشة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكًا لا يُظلم عنده أحد)) ، وقد تعقبتهم قريش وأرسلت عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص، وهناك محاولة طويلة عريضة ذكرها صاحب (الروض الأنف شرح السيرة لابن هشام) وذكرت كثيرًا من هذه الوقائع، واتفقوا مع القساوسة أو مع الرهبان أن يحولوا بين النجاشي وبين الاجتماع بالمسلمين، ولكن أصر على استدعاء المسلمين لسماع أقوالهم. فهناك لكلمات رائعة لجعفر بن أبي طالب وهو يعرض وضع المسلمين بعد الرسالة وكيف وقف ضدهم المشركون وآذوهم حتى اضطروا إلى الهجرة إلى بلاده وأنهم ينشدون العدل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرهم بأنه ملك عادل لا يظلم عنده أحد، فلما سمع منهم أصدر حكمه العادل بأن منعهم من القرشيين وقال لهم: امكثوا ولن تتعرضوا لأي أذى وأن من يتعرض لكم بسوء يُغَرَّم وكرر هذه الجملة ثلاث مرات، وكلام طويل في هذا. فاستشهدت بهذه الواقعة عند المسلمين هنا ... حضروا إلى مجلس النجاشي وكان كافرا؟ في ذلك الوقت، والكل يذكر على أنه كان يعبد المسيح وما كان يقول بأنه عبد الله وحتى أراد عمرو بن العاص أن يستغل هذه الحالة فقال له: والله لأوقعن بهم، أو كذا، إنهم يقولون على المسيح إنه عبد، فلما أتى بهم سمع منهم النجاشي وقالوا: والله لن نقول إلا كما قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرنا الله أن المسيح عبد الله ورسوله، قال: والله ما زاد ... فأخذنا من هذه الواقعة أنه يجوز للمسلم أن يحتكم إلى الكفار في بلادهم.