للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير أن هذه المصالح قد يرشدنا الشارع إلى اعتبارها بنص خاص، وقد يرشدنا إلى إلغائها بنص خاص، وقد يسكت، فهي بهذا الاعتبار تتنوع إلى مصالح معتبرة وإلى مصالح ملغاة، وإلى مصالح مرسلة، فالمصالح المعتبرة – كحفظ الكليات الخمس، والملغاة كانتحار المريض الميئوس من شفائه، فإن هذه المصلحة قام الدليل الشرعي على إلغائها – قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩] فهذه الآية تقطع بحرمة قتل النفس مطلقًا ولو كان مصابًا بالإيدز، والمصالح المرسلة هي كل وصف لم يرد فيه نص شرعي معين بالاعتبار أو الإلغاء إن حقق مصلحة كقوانين السير، وبناء المشافي، واتخاذ السجون ... والمصلحة العامة تقدم على الخاصة عند التعارض كإسقاط الحمل للزوجين المصابين بالإيدز وهي مصلحة خاصة خشية ولادات مصابة تنتشر في المجتمع.

وسد الذرائع: من حيث إن موارد الأحكام قسمان:

١-مقاصد وهي الغايات التي تشتمل على المصالح أو المقاصد.

٢-وسائل وهي التي تفضي إلى هذه المقاصد وتوصل إليها.

وحكم هذه الوسائل حكم ما أفضت إليه من تحريم أو تحليل، غير أن الوسائل أخف رتبة من المقاصد في الحكم.

ومثالها: منع الزوجين المصابين بالإيدز من الإنجاب أصلًا خشية الحمل بمن يحمل هذه العدوى – وكضرورة خضوع الخاطبين للفحص الطبي قبل إجراءات العقد، وتقديمهما تقريرًا طبيًا يثبت عدم إصابتهما بالأمراض الخطرة والمعدية.

الاستحسان: هو العدول في مسألة عن تطبيق حكم نظائرها عليها إلى حكم آخر نظرًا لوجود ما يقتضي هذا العدول من نص أو إجماع أو ضرورة أو عرف أو مصلحة أو قياس، وما يلزمها هنا هو الاستحسان الثابت بالمصلحة والاستحسان الثابت بالقياس.

فمن الاستحسان الثابت بالمصلحة: إلزام الخاطب أو المخطوبة بالتفريق إذا طرأ على أحدهما مرض الإيدز قبل العقد ولو كانا متحابين، إذ يتحقق هذا الاستحسان في كل مسألة عدل فيها عن حكم نظائرها إلى الحكم آخر اقتضته المصلحة، والمثال المذكور من هذا القبيل، إذ القاعدة المقررة: استمرار الإباحة وتعايش الراغبين في الزواج في السراء والضرار، ومراعاة الجوانب الإنسانية، خاصة في التحمل والتضحية، لكن يعدل عن هذه القاعدة المقررة، ويحكم بالتفريق صونًا لحياة الصحيح من العدوى المحققة بالمصاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>