"قال ابن التين: وأما التسمية على ذبح تولاه غيرهم من غير علمهم فلا تكليف عليهم فيه، وإنما يحمل على غير الصحة إذا تبين خلافها، ويحتمل أن يريد أن تسميتكم الآن تستبيحون بها أكل ما لم تعلموا أذكر اسم الله عليه أم لا، إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته إذا سمي. ويستفاد منه أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة، وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين، لأن الغالب أنهم عرفوا التسمية، وبهذا الأخير جزم ابن عبد البر) (١)
ثم قول عائشة رضي الله عنها:"وكانوا حديثي عهد بالكفر" يدل على أنه كان يخشى منهم أن لا يعرفوا وجوب التسمية عند الذبح، ومع ذلك أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل اللحم، لأن أمر المسلم، وإن كان جاهلا، يحمل على الصحة ما لم يتيقن المرء أنه باشر عملا على غير وجهه الصحيح. وإلى هذا المعنى أشار البخاري رحمه الله حيث ترجم على هذا الحديث:(باب ذبيحة الأعراب ونحوهم) وقد وقع التصريح بكونهم من الأعراب في رواية النسائي، كما حكى عنه الحافظ في الفتح, والأعراب يقل علمهم عادة.
٢- أما إذا كان غالب أهل البلد من الكفار غير أهل الكتاب، فاللحم المعروض للبيع في السوق لا يحل للمسلمين، حتى يتبين بيقين أو بالظن الغالب أن هذا اللحم بعينه ذبحه مسلم أو كتابي بالطريق المشروع. وهذا ظاهر جدا.
٣- وكذلك الحكم إذا كان أهل البلد مختلطين ما بين مسلم ووثني أو مجوسي؛ لأن ما وقع فيه الشك لا يحل حتى يتبين كونه حلالا، والدليل على ذلك حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه الذي مر فيما قبل، حيث حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصيد الذي شارك في اصطياده كلاب أخرى.
٤- أما إذا كان غالب أهل البلد من أهل الكتاب، فالأصل فيه ما سبق من حكم بلاد المسلمين، فإن أهل الكتاب حكمهم في أمر الذبيحة حكم المسلمين, لكن إذا عرف باليقين أو بالظن الغالب أن أهل الكتاب في ذلك البلد لا يذبحون الحيوان بالطريق المشروع، فلا يحل أكل اللحم حتى يتبين أن هذا اللحم بعينه حصل بالذكاة المشروعة، وهذا هو الحال في معظم البلاد الغربية اليوم, كما سنذكره إن شاء الله تعالى.