أما النصارى، فقد خلعوا ربقة التكليف في موضوع الذبائح إطلاقا، ولا يلتزمون اليوم بالأحكام التي هي مصرحة حتى اليوم في كتبهم المقدسة، والتي نقلنا بعض نصوصها فيما سبق, وحينئذ فلا تحل ذبيحتهم حتى يثبت أنه قد توفر فيها الشروط الشرعية.
فاللحوم التي تباع في أسواق البلاد الغربية، والتي تستورد إلى البلاد الإسلامية، وجوه المنع فيها كثيرة:
ا- لا سبيل إلى معرفة ديانة ذابحه، فإن تلك البلاد يوجد فيها وثنيون، ومجوسيون، ودهريون وماديون بكثرة، فلا يحصل اليقين بكون الذابح من أهل الكتاب.
٢- ولو ثبت بالتحقيق، أو بحكم غلبة السكان أن ذابحه نصراني، فلا يعرف هل هو نصراني في الواقع، أو هو مادي في عقيدته، وقد سبق أن ذكرنا أن العدد الكثير منهم لا يعتقد بوجود خالق لهذا الكون، فليس هو نصرانيا في الواقع.
٣- ولو ثبت بالتحقيق، أو على سبيل الحكم بالظاهر أنه نصراني، فإن المعروف من النصارى أنهم لا يلتزمون بالطرق المشروعة للذكاة، بل منهم من يهلك الدابة بالخنق، ومنهم من يقتله بغير فري الأوداج، ومنهم من يستعمل الطرق المشتبهة للتدويخ التي فصلناها.
٤-الثابت يقينا أن النصارى لا يذكرون اسم الله عند الذبح، والقول الراجح المنصور عند جمهور أهل العلم أن التسمية شرط لحل ذبائح أهل الكتاب أيضاً.
وعند وجود هذه الوجوه القوية للمنع، لا يجوز لمسلم أن يأكل هذه اللحوم التي تباع في أسواق البلاد الغربية، حتى يتيقن في لحم معين أنه حصل عن طريق الذكاة الشرعية, وقد ثبت بحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن الأصل في لحوم الحيوان المنع حتى يثبت خلافه، ولذلك منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصيد الذي خالط فيه كلاب غير كلاب الصائد، وكذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصيد:
((إن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري؛ الماء قتله أو سهمك)) (١)
(١) صحيح مسلم كتاب الصيد، رقم ٩٤٣، وراجع تكملة فتح الملهم: ٤٩٤/٣