٣- ذبائح أهل الكتاب إنما أجيزت لأنهم كانوا يتقيدون بالقيود الشرعية عند ذبحهم، فكانوا يحرمون الميتة والمخنوقة والموقوذة والفريسة، كما هو مذكور في كتبهم المقدسة التي سردت نصوصها في متن البحث, وكانوا لا يذكرون عند الذبح إلا اسم الله تعالى، ومن هذه الجهة اعتبرت ذبائحهم بمثابة ذبائح أهل الإسلام، وأحلت لهم.
٤- وكذلك أحلت للمسلمين نساء أهل الكتاب من جهة أنهم كانوا يلتزمون في أمر المناكحات أحكاما تشابه الأحكام المشروعة في الإسلام، ولذلك يجب لجواز هذا النكاح شرعا أن يقع النكاح حسب الأحكام الشرعية في الإسلام.
فكما أن قوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} مقيد إجماعا بأن يلتزم الزوجان بالأحكام الشرعية, فكذلك قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} مقيد بأن يقع الذبح بالتزام الأحكام الشرعية، فإن كلا الحكمين مقرون في نسق واحد.
٥- إن قول ابن العربي في حل ما خنقه أحد من أهل الكتاب قول يتعارض مع ما ذكره هو بنفسه من أن أهل الكتاب إنما تحل ذبائحهم إذا التزموا بالأحكام الشرعية, فيؤخذ من قوليه المتعارضين ما هو موافق للنصوص الصريحة ولإجماع أهل العلم. ثم إن القول بالحل مبني على كون المخنوقة حلالا في دين النصارى، والثابت من كتبهم خلافه، فلا يعتد بهذا القول الشاذ.
٦- الراجح أن التسمية شرط في حل ذبائح أهل الكتاب، كما هو شرط في ذبائح المسلمين، فإن قول الله سبحانه وتعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ، يعم المسلمين وأهل الكتاب، وخاصة بالنظر إلى صيغة المجهول في قول الله تعالى:{لَمْ يُذْكَرِ} .