ومن المعلوم أنه لما يدور القمر حول الأرض يخلف في كل نقطة من مداره ظلًا يناسب طوله والمسافة التي تفصل القمر عن الشمس، وفي كل الحالات يتراوح مقدار هذا الطول بين ٥٧ و ٥٩ شعاعًا أرضيًا، وهذه الأرقام تقترب إلى حد كبير من الأرقام التي تتعلق بالمسافة الفاصلة بين القمر والأرض والتي تتراوح بين ٥٥ و ٦٦ شعاعًا أرضيًا.
ومن هذا المنطلق، يمكننا أن نصف الكسوفات حسب طول الظل القمري وحسب المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر وقت القران.
(أ) الكسوف الكلي:
إذا بلغ طول الظل الذي يخلفه القمر المقدار الأقصى، يعني ٥٩ شعاعًا أرضيًا، بينما لا تكون المسافة الفاصلة بين مركزي الأرض والقمر إلا ٥٥ شعاعًا أرضيًا، وهي المسافة الدنيا بينهما فتكون في هذه الحالة رقعة الظل الواقعة على الأرض عبارة على بقعة دائرية دكناء، يقدر شعاعها بـ ١٤٨ كلم، وهذه أكبر الرقاع التي يمكن أن يسببها كسوف للشمس.
أما المناطق المحيطة بهذه الرقعة فيكون فيها الكسوف جزئيًا، وذلك لأن هذه الأماكن قد اخترقها ما تحت الظل فحسب، ومن هنا فلا يرى المشاهد الأرض في هذه المناطق بالذات سوى احتجاب جزئي لقرص الشمس.
ولنصف الآن كيفية حدوث الكسوف الكلي على منطقة أرضية ما: قبل القران بساعة وبضع الساعة يبدأ قرص القمر بالدخول في مجال قرصي الشمس ويكون هذا الدخول بطبيعة الحال جانبيًا وتدريجيًا إلى أن يحجب قرص القمر جزءًا كبيرًا من قرص الشمس، وفي وقت القران بالذات يغطي قرص القمر كليًا قرص الشمس، ويخيم الظلام تمامًا على المنطقة لمدة تقارب ستة دقائق يبدأ إثرها قرص الشمس في الانجلاء شيئًا فشيئًا للرجوع بعد ساعة ونيف إلى حالة إضاءته الطبيعة.
وعلى سبيل الإفادة نذكر الحدث العلمي التالي:
في كسوف شمسي حدث سنة ١٩٧٣ اتفقت بعض الدول المتقدمة على تمويل مشروع يقضي بمتابعة هذا الكسوف الذي حدثت معظم مراحله على القارة الإفريقية في المنطقة الاستوائية، ولكن هذه المتابعة لم تكن كسابقتها بالعين المجردة فحسب، أو بآلات رصد ثابتة، بل تعدتها لتكون على متن طائرة تتجاوز سرعتها سرعة الصوت، وقد جهزت بآلات رصد خاصة مهدت للعلماء فيها بعد التعرف على جزء كبير ومجهول من مكونات الأجواء الشمسية والتي لا يمكن دراستها إلا عند حدوث كسوف كلي.
والمرحلة الكلية للكسوف التي تدوم عادة ست دقائق، تمت مراقبتها في هذه المرحلة لمدة ساعتين وذلك بمتابعة بقعة الظل القمرية التي التقت بسطح الأرض في منطقة موريتانيا وتواصلت إلى أن ابتعدت عن السطح في منطقة بكينيا، وقد انتظر الفلكيون والعلماء بشغف هذا الكسوف منذ عدة سنوات لإتمام تحضيراتهم على أحسن وجه، ولم يقتصروا على معرفة وقت بداية الكسوف فحسب، بل تعرفوا كذلك على المسار الذي تتبعته بقعة الظل، وقد تم إعطاء هذه التعليمات من قبل دماغ إلكتروني وقع تصميمه لهذا الغرض.