ويمكن أن نقارن ذلك بما فطر الله عليه بعض السباع من الأسود والنمور وغيرها إذا تمكنت من الفريسة، فإن الله تعالى قد ألهمها أن تقصد إلى مقدم عنق الفريسة، فتنهشه في نفس الموضع الذي شرع لنا الذبح فيه، والذي يبدو من حكمة كونه أخف على الحيوان المصيد، وإن كان الحيوان الصائد إنما يقصد إلى شرب الدم، فالشرع إذن موافق للحكمة في الخلق، وتبارك الله جل جلاله، الذي له الخلق والأمر، وهو الحكيم العليم الرؤوف الرحيم.
وقد يقال: إن هذه الحكمة منتقضة بالصيد، فإن الصيد لا يشترط فيه قطع الودجين ولا النحر، ومع ذلك فهو حلال مذكى شرعا، مع أنه لا يخرج من دمه إلا الشيء اليسير، ويبقى الجزء الأكبر من دمائه محتقنا في عروقه، وهو مع ذلك حلال لا شبهة فيه.
والجواب أن أكل الصيد رخصة أتت على خلاف ما تقتضيه العزيمة، وقد رخص فيه لعامة المسلمين، والأصل فيه أهل البوادي ونحوهم الذين تعز عندهم أحيانا اللحوم، فاكتفي منهم بما يسفكه السهم أو الكلب من دم الحيوان المصيد، ولا يحل لو قتله بثقله، ثم إن أدركه الصياد حيا وتمكن منه وجب عليه أن يذكيه بالذبح وإلا لم يحل.